بطولات مزيفة!
ليس هناك من شك في أن ثورة 25 يناير أدت إلى انفجار سياسي وانقلاب اجتماعى في نفس الوقت، انفجار سياسي تمثل في إسقاط النظام القديم بعد 18 يومًا من الاعتصام في ميدان التحرير، ليس ذلك فقط ولكن إسقاط القيم الفاسدة التي قام على أساسها، وأنماط الشخصيات المنحرفة التي تصدرت عالم السياسة والاقتصاد، في سياق الزواج المحرم بين أهل السلطة وأصحاب الثروة، بالإضافة إلى الإعلام التبريرى الذي روج للسياسات الفاسدة وسكت عن النقد الضرورى للانحرافات الكبرى التي شابت الحكم.
ولكن بالإضافة إلى الانفجار السياسي حدث انقلاب اجتماعى تمثل في سقوط العديد من القيم السلبية والتي تقف في مقدمتها الخنوع للسلطة وعدم مقاومة الظلم والنكوص عن الاحتجاج ضد القمع السياسي.
غير أنه سقطت مع هذه القيم السلبية قيم إيجابية متعددة لعل أهمها سقوط التراتبية الاجتماعية، والادعاء أنه يمكن الاعتداء باسم الثورة على الرؤساء والمديرين، ومعنى ذلك الخلط المعيب بين الثورة والفوضى.
غير أن أخطر مظاهر الانقلاب الاجتماعى ظهور فئة جديدة يطلق عليها اسم "النشطاء السياسيين"، وهؤلاء النشطاء ليس من السهولة معرفة هوياتهم السياسية ولا توجهاتهم الأيديولوجية، وأنت حين تسمع كلمة "ناشط سياسي" لا تعرف هل هو يمينى أم وسطى أم يسارى وهل هو ثورى أم فوضوى؟
ولا ينبغى أن نندهش بأن يكون الناشط السياسي فوضويًا بالمعنى الأيديولوجى للكلمة؛ وذلك لأن لدينا فصيلًا سياسيًا يطلق على نفسه "الاشتراكيون الثوريون"، والذين يؤمنون "بالأناركية" أو الفوضوية كعقيدة سياسية، وهدفهم المعلن هدم الدولة وتفكيك القوات المسلحة، والدعوة إلى ما يسمى التسيير الذاتى.
ومن مظاهر الانقلاب الاجتماعى أن فئة من النشطاء السياسيين من مختلف الأجيال أرادوا من خلال القيام بأدوار متعددة لعب دور أبطال الثورة والمدافعين عنها في مواجهة خصومها، سواء كانوا خصومًا حقيقيين أو وهميين.
وظهرت في الشارع شخصيات تدعى الثورية غير أن سلوكها العملى أثبت أنها في الواقع شخصيات فوضوية، أباحت لنفسها الهجوم على أقسام الشرطة أو محاولة اقتحام مقر وزارة الداخلية، أو نظمت تظاهرات تخريبية توجهت إلى مقر وزارة الدفاع للاحتكاك بالقوات المسلحة.
بل إن بعض هذه الشخصيات اعترفوا علنًا وعلى شاشات التليفزيون أنهم شاركوا في إلقاء قنابل المولوتوف على المجمع العلمى! وحين قبض على بعض هؤلاء وأحيلوا إلى المحاكمة وصدرت ضدهم أحكام بالسجن لقاء الجرائم التي ارتكبوها إذا بعناصر شاردة ممن يطلق عليهم "النشطاء السياسيون" يتظاهرون داعين إلى الإفراج عنهم!
ومن ظواهر الانقلاب الاجتماعى أن بعض المثقفين الذين يمارسون الكتابة في الصحف والظهور المتكرر على شاشات التليفزيون يريدون أن يلعبوا دور المعارضين لأى نظام، اكتسابًا لشهرة زائفة والسعي إلى الحصول على لقب النقاد الأبطال الذين لا يترددون في مهاجمة أي نظام كان!
غير أن المفارقة أن أحد هؤلاء الذين قاموا بممارسة نقد نظام الرئيس السابق "مبارك" ارتموا مع غيرهم من المثقفين الليبراليين في أحضان المرشح لرئاسة الجمهورية "محمد مرسي"، والذي كان في هذا الوقت رئيس حزب الحرية والعدالة الإخوانى في لقاء فندق "فيرمونت" الشهير، وبايعوه على التأييد المطلق في الانتخابات إذا وافق على عدة مطالب لهم تتعلق لهم بالمشاركة السياسية في الحكم القادم.
ورحب الرجل ووعدهم خيرًا وحين نجح فعلًا في الانتخابات الرئاسية التي تمت في أجواء مشبوهة لم ينفذ أي وعد من وعوده لهم وبذلك خدعهم خديعة كبرى، مما يثبت أنهم في الواقع بتأييدهم له مارسوا نوعًا من أنواع المراهقة السياسية، بل ارتكبوا خطيئة كبرى في حق المثل الليبرالية التي يدعون الإيمان بها.
وحين نجح الرئيس السيسي في الانتخابات وأصبح بتفويض شعبى رئيسًا للجمهورية إذا بأحد كتاب "فيرمونت" ينبرى للهجوم المنظم عليه حتى قبل أن يخطو خطواته الأولى. وهذه في الواقع تعبر عن انتهازية صارخة لفئة من الناشطين السياسيين الذين يقومون بأدوار البطولة المزيفة!