رئيس التحرير
عصام كامل

عسكرة الصوفية.. حدود تأثير "جيش النقشبندية" في الصراع داخل العراق.. التنظيم يجمع بين الوطنية العراقية والأفكار الإسلامية التقليدية.. والتمويل المتجدد ساعده على مهاجمة القوات الحكومية

رئيس الوزراء العراقي
رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي

مع بداية تصاعد حدة المواجهات العسكرية بين حكومة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي وتنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" (داعش)، طرحت اتجاهات عديدة تفسيرات مختلفة لنجاح "داعش" في السيطرة على مناطق واسعة شمال العراق، مثل محافظة الموصل، لكن التفسير، حسب التقرير الذي طرحه المركز الإقليمى للدراسات الإستراتيجية، للباحث "أبو الفضل الإسناوى"، الذي حظى باهتمام وزخم خاص تمثل في أن تنظيم "داعش" لم يكن يستطيع تحقيق ذلك دون مساندة من جانب قوى داخلية عراقية.

وهنا بدأ الحديث يتزايد عما يسمى بـ"جيش رجال النقشبندية" الذي أسسه عزة إبراهيم الدوري نائب الرئيس العراقي الأسبق في 30 ديسمبر 2006، ويعد بمثابة التنظيم المسلح التابع للطريقة الصوفية النقشبندية، ويتكون، حسب الموقع الإلكتروني التابع له، من مجموعة من الألوية العسكرية التي تتفرع منها مجموعة من السرايا التي تنتهي إلى عدة أفواج عسكرية تنتشر في أكثر من 20 قطاعا في شمال العراق وفي المناطق الكردية، حيث استطاعت خلال وجود القوات الأمريكية في العراق قصف أكثر من مقر لها بصواريخ متطورة، كما أعلنت مسئوليتها عن هجمات عديدة ضد القوات التابعة لحكومة نوري المالكي.

أسباب متعددة
وقد كان لافتًا أن التنظيم نجح، وفقًا لاتجاهات عديدة، في تطوير أدائه واستقطاب كوادر وعناصر جديدة للانضمام إليه، وهو ما يعود إلى مجموعة من العوامل التي تتمثل في التركيز على الهوية النقشبندية كـ"مبدأ تعبوي" لحشد أعضاء جدد من القبائل والعائلات الكبيرة المنتشرة في محافظتى الموصل وكركوك، مما جعل عناصر التنظيم تجمع بين الوطنية العراقية والأفكار الإسلامية التقليدية.

أما العامل الثانى فيتمثل في ضم بقايا التنظيمات المفككة في العراق قبل عام 2007، ومن أهمها "القاعدة في العراق" وبقايا حركة "حماس" العراقية و"أنصار السنة" و"جيش محمد"، حتى أصبح التنظيم في الوقت الراهن، طبقًا لتقديرات عديدة، هو القوة الأكثر عددًا في العراق.

وسعى التنظيم في رسالته الأساسية إلى التركيز على المخاوف العديدة التي تنتاب السنة العراقيين إزاء السياسات الطائفية التي تتبناها حكومة نوري المالكي وعلاقاتها القوية مع إيران، وتنامي الأنشطة الكردية في المناطق التي يطلق عليها التنظيم "الأراضي المحتلة".

محددات أساسية

تشير بيانات تنظيم "جيش رجال النقشبندية" المنشورة على موقعه الإلكتروني، إلى تحول استراتيجيته العسكرية، خلال الفترة الأخيرة، من مواجهة القوات الأمريكية بعد خروجها من الأراضي العراقية، إلى مواجهة حكومة نوري المالكي التي تتبنى سياسات طائفية وتؤسس علاقات قوية مزدوجة مع إيران والولايات المتحدة الأمريكية، لكن قدرة التنظيم على التأثير في مسار الصراع المتصاعد حاليًا بين الحكومة العراقية وتنظيم "داعش" ترتبط بعدد من المتغيرات المهمة التي يمكن تناولها في حجم القوة العسكرية للتنظيم التي تجعله أكثر قدرة على مواجهة قوات الجيش العراقي، وربما على مواجهة تنظيم "داعش" نفسه في المستقبل، حيث يقترب عدد قواته، وفقًا لبعض التقديرات، من 7000 عضو، إلى جانب التركيبة العسكرية والإدارية المحكمة للتنظيم، والمكونة من ضباط مخابرات وحرس جمهوري سابقين كانوا أعضاء في حزب البعث قبل سقوط نظام الرئيس الأسبق صدام حسين عام 2003.

وثانيها التركيبة القبلية والعائلية لأعضاء التنظيم، والتي تجعله أكثر قدرة على التماسك في مواجهة العمليات التي تقوم بها الحكومة، وهو ما عزز من معرفته الدقيقة بجغرافية الصراع الدائر، حيث يضم التنظيم عناصر تنتمى إلى عدد كبير من العائلات والقبائل العراقية مثل "الجبوريين" و"العبيديين" و"الحربيين".

أما ثالث المتغيرات فيتمثل في التمويل المتجدد ومتعدد المصادر للتنظيم، مقارنة بمعظم التنظيمات السابقة التي تفككت، وهو ما مكنه من الاستمرار في الصراع ضد الحكومة، حيث يحصل التنظيم على تمويل من خلال توزيع الأموال بين أعضائه وفقًا لنموذج قامت بوضعه الشئون المالية التابعة له، إلى جانب السيولة النقدية التي تقدمها رموز قبلية رئيسية في بعض المناطق العراقية.

وآخر هذه العوامل هو النشاط الإعلامي المكثف وتبني طابع إسلامي مناهض للسياسات الطائفية لحكومة المالكي، وهو ما أكسب التنظيم مصداقية واضحة لدى سكان المناطق الشمالية.

حدود الدعم الخارجي

رغم الدعم القوى الذي يتلقاه التنظيم من قبل أطراف داخلية، سواء القبائل أو بقايا حزب البعث وحكوماته السابقة، إلا أن اتجاهات عديدة لا تستبعد وجود دعم خارجي، لاسيما مع تصاعد حدة المواجهات مع الحكومة، خاصة من جانب أتباع ومشايخ الطريقة النقشبندية في دول أخرى من العالم، مثل تركيا، التي يوجد بها أكبر عدد من منتسبي ومريدي هذه الطريقة الصوفية. إلا أن هذا الدعم سوف يتوقف على بقاء واستمرار التنظيم كرقم مهم ورئيسي في الصراع المتصاعد حاليًا في العراق.

وفي النهاية، يمكن القول إن ضعف القوات العراقية وتراجعها الملحوظ في مواجهة تنظيم "داعش" ربما يرجع، في قسم منه، إلى الدور العسكري القوى الذي يلعبه "جيش رجال الطريقة النقشبندية" في دعم التنظيم، بسبب رغبته في تحقيق الهدف الثاني المحدد في بيان تأسيس الجيش النقشبندي وهو "مقاومة الحكومات التي زرعها الاحتلال الأمريكي وعودة العسكريين المفصولين من قبل الحكومات التي تلت إعدام صدام إلى رتبهم العسكرية". لكن ذلك لا يعني استمرار التحالف بين الطرفين، لاسيما أن الخلافات القائمة بينهما ليست هينة ولا يمكن احتواؤها بسهولة، وهو ما يزيد من احتمالات اتساع نطاقها، وربما اندلاع صراع بين الطرفين في المستقبل القريب.
الجريدة الرسمية