العودة إلى أفريقيا
لا شك أن هناك جهدًا يبذل هذه الأيام في استعادة العلاقات مع أفريقيا بشكل عام، ودول حوض نهر النيل بشكل خاص، ودولة إثيوبيا بدرجة أخص.. أتصور أن الرئيس السيسي يتحرك تجاه الدوائر الثلاث بقدر لا بأس به من الذكاء.. وقد تابعت جميع حوارات الرجل فيما يخص هذه القضية بالذات فوجدت منه اهتمامًا غير عادى بضرورة التوجه والانفتاح على أفريقيا (الدائرة الأولى)، بما يعنى أن لديه رؤية وحسا سياسيا عاليا، مع تأكيد أنه إذا كنا في حاجة إلى أفريقيا، فأفريقيا أيضا في حاجة إلينا.. نريد أن نتجاوز الأخطاء والخطايا التي وقع فيها الرؤساء، السادات ومبارك ومرسي، وانعكاسات ذلك سلبًا على مصر، وأن نستدرك سريعا ما فات، وإلا نضيع وقتا في النواح والندب والبكاء على اللبن المسكوب..
أعتقد أن المضى قدما في خارطة الطريق نحو إقامة المؤسسات الدستورية، خاصة انتخابات الرئاسة، ألقت بظلال إيجابية على نظرة أفريقيا -بدوائرها الثلاث - لمصر.. وقد تجسد هذا في قرار مجلس الأمن والسلم الأفريقى برفع الحظر عن عضوية وأنشطة مصر في الاتحاد الأفريقى..
إن الفراغ الذي تركته مصر في أفريقيا طوال عقود، وتم شغله بغيرها، آن لها أن تعود لشغله مرة أخرى، وأن يتم ذلك على مستويات عدة ومجالات شتى.. العلاقات الثنائية، تجاريا وثقافيا واقتصاديا، وما يتطلبه ذلك من تبادل زيارات بين الرئيس المصرى ورؤساء الدول الأفريقية من ناحية، وبين قيادات الدبلوماسية الشعبية في مصر ونظائرها في أفريقيا من ناحية أخرى، يجب ألا تتوقف، وأن تكون خاضعة لبرنامج منظم وممنهج.. يجب أن نتذكر جيدًا أن العلاقة مع دول أفريقيا (الدائرة الأولى) تمثل الإطار الحافظ للعلاقة مع دول حوض نهر النيل (الدائرة الثانية)، والتي تعتبر بدورها السياج الحاضن للعلاقة مع دولة إثيوبيا (الدائرة الثالثة).. لذا، من المهم أن تشارك مصر في الاجتماع السنوى لمجلس وزراء دول حوض نهر النيل (الدائرة الثانية).
لا شك أن ملف مياه النيل وقضية سد النهضة لها أولوية كبرى في تفكير ورؤية الرئيس السيسي.. وقد عبر الرجل عن ذلك فقال إن مصر تراعى حق إثيوبيا في التنمية، وعلى الأخيرة أن تراعى حقنا في الحياة.. لذلك، من الضرورى أن يعد -على وجه السرعة- كل ما يحتاجه الملف من خطوات وإجراءات على كل المستويات، وأن يتم الاستفادة في ذلك بكل الخبرات المحلية والإقليمية والدولية..
وفى الوقت الذي تسعى فيه مصر لإيجاد حل لمشكلة سد النهضة الإثيوبى، علينا أن نبحث عن بدائل؛ مثل مشروعات تحلية المياه من البحرين المتوسط والأحمر، حتى نكون قادرين على سد احتياجاتنا من المياه المطلوبة للتوسع في الزراعة، مع الوضع في الاعتبار؛ أولا: القيام بترشيد عمليات الرى منعا لإهدار مياه النيل، وثانيا: الحفاظ على مجرى النيل نفسه وحمايته من أي تعديات، وعدم التهاون في اتخاذ كل الإجراءات لمنع تلويثه..
وتبقى كلمة مهمة وهى أن إحراز أي تقدم في اتجاه تقوية جبهتنا الداخلية، أمنيا وسياسيا واقتصاديا واجتماعيًا، سوف يصب بالضرورة في اتجاه توثيق العلاقة مع الدوائر الثلاث.