قِلّة الأَصْل.. مفتاح العلاقات الأمريكية العربية!
عام1800م تركزت خطورة قراصنة السفن في البحر المتوسط بالقرب من سواحل شمال أفريقيا وخاصة ليبيا.. كانوا يستولون على المراكب بما فيها، ثم تتدخل الدول صاحبة السفن وتدفع الفدية صاغرة، للإفراج عن السفن والأسرى دون وجع دماغ وتتبع موبايلات وكماين وخلافه.. لم تسلم السفن الأمريكية من فتوات البحر، ولأن الأصول أصول.. لجأ الأمريكان للحاكم الليبى وقتها يوسف كرامَنلى واتفقوا معه على حماية سفنهم مقابل نحو نُص مليون قرش إلا شوية في السنة.
مَرَّ عام على الاتفاق ميت فل وعشرة، ولم تخطف السفن الأمريكية.. وذهب يوسف كرامنلى للمندوب الديبلوماسى الأمريكى بليبيا لتقاضى "الأُبَيِّج" المتفق عليه، فدس المندوب في جيب أبوحجاج "كيس قماش" مكتوبا عليه بالإنجليزى "نحن نثق بالرب".. أخرجه أبوحجاج وعد الفلوس فاكتشف أنها نحو 100 ألف قرش فقط، فقال للمندوب ياباشا إحنا متفقين على نص مليون؟! قال المندوب: معلش يايوسف الظروف مش قد كده وطالعين من عيد ربنا يفكها علينا وعليك، وسمَّعنا السلامو عليكو.. شعر يوسف كرامنلى بأنه اتكَرَت على قفاه، فهجم على القنصلية الأمريكية بليبيا ونهبها بأكملها تخليص حق.. فقررت أمريكا تأديبه وأرسلت 3 حملات بحرية لاحتلال ليبيا لكنها انكسرت تحت مقاومة نيران مدافع طرابلس المتينة..
ولأن الأمريكان عالم شَر وغِلَّاويَّة.. لم يتوقفوا.. فأرسلوا قوات برية.. كانت المشكلة الاستراتيجية هي جهلهم بدروب الصحراء الليبية، ولابد من دليل خبير بتلك الدروب، سرعان ما عثروا عليه واستعانوا به، وتمكنوا من دخول ليبيا والسيطرة على درنة، منطقة يوسف كرامنلى الفتوة، وانتهت الغزوة بالتفاوض وإجبار يوسف كرامنلى على توفير الحماية للمراكب الأمريكية ببلاش عافية في معاهدة وقعت سنة 1855 وأبقت عليه حاكمًا لليبيا.
بقى أهم ما في الحدوتة، وأرجوك لا تسرح وركز معايا.. الرجل الدليل الذي استعان به الأمريكان في فك طلاسم السير في صحارى ليبيا اسمه أحمد كرامنلى.. وهو شقيق يوسف كرامنلى.. كان بينهما شوية مشاكل وخناقات، انتهت بقيام يوسف بالاستيلاء على ممتلكات وأموال أحمد فهرب إلى مصر، ولم يعرف للآن هل عثر عليه الأمريكان صدفة أم عن طريق مرشد؟ أو أنه قدم نفسه طواعية لخدمة الأمريكان انتقامًا من أخيه يوسف؟ المهم والغريب أن أمريكا المنتصرة، أبقت على يوسف الفتوة حاكمًا لليبيا، ولم تنصب شقيقه أحمد كرامنلى الذي سلمهم ليبيا وشقيقه تسليم مفتاح..
كما ترى أنها حكاية "قلة الأصل" المتجذرة في تاريخ العلاقات الأمريكية العربية.. أمريكا قلت أصلها في الاتفاق على الفلوس مع يوسف كرامنلى من الأول.. ويوسف قل بأصله مع الأمريكان وقَشْوَط القنصلية.. وأحمد كرامنلى باع أخاه يوسف.. وأمريكا باعت أحمد كرامنلى.. الآن يراودنى هاجس أن العقيد حفتر هيطلع حفتر كرامنلى!. المحصلة أن الغرب لم يجرؤ على التلاعب بمنطقتنا إلا عندما اكتشف أن العرب كلهم كرامنلِيَّة!