«طقوس رمضان في بر المحروسة».. «البط» الإفطار المفضل لأهالي بورسعيد.. السمك المملح الوجبة الرئيسية في «بسيون».. و«الجارية» ولحم الضأن في مطروح.. والشهر الكريم في
"اصحى يا نايم/ وحّد الدايم / وقول نويت/ بكره إن حييت/ الشهر صايم/ والفجر قايم/ اصحى يا نايم/ وحّد الرزاق/ رمضان كريم/مسحراتى/ منقراتى/ بأيدي نقرة/ واتنين بقلبى/ مطلوب أجوّد/ واقول وازوّد/ وأنا باحوّد/ يا دوب وباحبى/ بأيدي نقرة/ واتنين بقلبى".. بهذه الطريقة عبر الشاعر الكبير فؤاد حداد عن فرحته بقدوم رمضان فكتب لنا قصيدته "المسحراتي" التي بدأها بـ"اصحى يانايم" مرورا بدور المسحراتي حتى انتهى وهو يسأل قائلا: دقت القطايف/ شفت اللطايف.. ؟!
الحال نفسه انطبق على محافظات المحروسة، فالاحتفالات كلها لا تخرج عن الزينة والأنوار مرورا بالصلوات والأكلات خاصة.. فكلها أمور تميز شهر رمضان في مصر، إلا أن تفاصيل الاحتفال بالشهر الكريم تختلف من محافظة لأخرى.
في محافظة الغربية نجد أن عددًا من النساء يقمن بمهنة المسحراتي، في حين يحرص سكان منطقة "بسيون" على تناول وجبة الفسيخ المملح والرنجة في آخر يوم من شهر شعبان ويطلقون على هذه العادة "الشعبنة" أما في قرية "ميت يزيد" بالغربية فيتناول أهلها إفطار اليوم الأخير من رمضان وسط المقابر في احتفالية جماعية ويشترط أن يتضمن الإفطار الحمص والبيض، حسبما جاء في مقال "إبراهيم عناني" عضو اتحاد المؤرخين العرب.
أما أهالي بورسعيد يحرصون على تناول البط في أول أيام شهر رمضان، ويتسابق نساء المناطق الشعبية على تربية البط قبل بداية رمضان بعدة شهور، على عكس مدينة "بلطيم" التي اعتاد أهلها على أن يتضمن إفطار اليوم الأول من شهر رمضان الفول النابت.
هناك دراسة أجراها "أطلس المأثورات الشعبية المصرية" تناولت بعض السلوكيات والعادات والمراسم الاحتفالية والاجتماعية والترويحية وأيضًا الغذائية المتبعة منذ مئات الأعوام بعنوان "عادات رمضان الاحتفالية خصوصية وأهمية لدى المصريين منذ ألف عام بدءا بالاحتفال برؤية الهلال ومرورًا بمدفع الإفطار ووصولًا إلى الفانوس والمسحراتي والحلوى وغيرها".
ومما تناولته الدراسة، ظاهرة "موائد الرحمن" التي ترجع بدايتها في مصر إما إلى الأمير أحمد بن طولون، مؤسس الدولة الطولونية، أو إلى الخليفة المعز لدين الله الفاطمي، وتعد موائد الرحمن صورة من صور التكافل الاجتماعي في المجتمع المصري، وشكلا من أشكال الإفطار الجماعي، وفيها يقدم طعام الإفطار في شهر رمضان للعابرين وللفقراء، ويقيمها الأغنياء وبعض الهيئات الحكومية بمعظم المحافظات والمدن المصرية.
ورصدت الدراسة كذلك بعض الألعاب الترويحية التي يلعبها الأطفال وهم يغنون بعد الإفطار في رمضان، وإطلاق الألعاب النارية، وجوب الشوارع بالفوانيس مع ترديد أغنية "وحوي يا وحوي" وغيرها.
كما ألقت الدراسة الضوء على أشهر المأكولات والمشروبات التي يحرص المصريون على تناولها خلال شهر رمضان، ومنها: القطايف والكنافة المحشوة بالمكسرات والزلابيا، وغيرها من الحلوى التي كان الفاطميون يفضلونها وخاصة في ولائمهم، كما اهتم المصريون بالياميش وجميع أنواع المكسرات، فضلا عن المشروبات المتميزة مثل قمر الدين والسوبيا والعرقسوس.
كذا اجتمعت معظم المحافظات المصرية فيما عدا محافظة البحر الأحمر -وفقا للدراسة الميدانية- على عدم تفضيل أكل الأسماك المملحة والسردين والفسيخ في أيام رمضان، خوفًا من العطش.
ما يحدث في رمضان بالإسكندرية مشابه إلى حد كبير عما في القاهرة، حيث تمتلئ المساجد بالمصلين وتنتشر صلوات التراويح والتهجد بالمساجد، وتبدأ تقل حركة السير بالمدينة بالتدريج حتى تنعدم تمامًا في وقت المغرب وبعد أذان العشاء تمتلئ الشوارع بالناس وتنتشر الخيام الرمضانية في المدينة وتبدأ العادات والتقاليد المتوارثة منذ مئات السنين.
ففى أول أسبوع من رمضان يتبادل الأهالي الزيارات وتناول الإفطار والولائم مع الأهل والأقارب والأصدقاء، ويشترى الأطفال الفوانيس وتعلق الزينة في جميع أنحاء المدينة، وقبل أذان المغرب بدقائق ينتشر المتطوعون في الطرقات لتوزيع الماء والتمر والعصائر على من تأخروا للذهاب إلى بيوتهم لتناول الإفطار.
طنطا تزينها الفوانيس والزينة الورقية التي يعدها الشباب والأطفال، كما تجد المناطق التجارية مليئة بالمواد الغذائية وياميش رمضان، ويتزين مسجد السيد البدوى وساحة المسجد الأحمدى بالأنوار الملونة، لذا تشعر بجو روحانى قوامه القرآن الكريم والتواشيح الدينية وروائح البخور، كذا ينتشر بائعو التمر هندى والعرقسوس والسوبيا وهى المشروبات المفضلة لدى معظم المصريين وقت الإفطار، وتكون هناك الدورات الرمضانية التي ينظمها الشباب في مدينة طنطا، فضلا عن بائعى الكنافة والقطائف.
وفي مرسي مطروح يستقبل البدو اليوم الأول من الشهر الكريم كما يستقبلون الأعياد، فمنذ مساء ليلة الرؤية، يتجمع الأقارب في بيت العائلة، أو في بيت أكبر أفرادها سنًا، وغالبًا يكون شيخ القبيلة، وهناك تبدأ طقوس اليوم الأول من رمضان، بتناول إفطار جماعى.
ومن أهم العادات في مطروح "الإفطار الجماعى"، حيث يرتفع من منزلة العادة، إلى منزلة أكثر قدسية، وفى حالة وفاة أحد الأقارب قبل الشهر الكريم بفترة قصيرة، تتحول العادة إلى واجب ملزم للجميع، حيث تجتمع العائلة ببيت المتوفى بين أسرته، كى لا يشعروا بالفقد في أول أيام الصيام.
ولا تختلف وجبات إفطار بدو مطروح، عن قائمة الطعام البدوى المعروفة، مكونة من الأرز الأحمر أو الأصفر، أو المكرونة «الجارية»، ولحم الضأن، الذي يعتبر ملك الأكلات البدوية، تشاركه «المُلك» الشوربة المغربية، ووجبات بدوية أخرى، مثل المكمورة، والعصيدة، والكسكسى المطبوخ.
ويفضل أبناء مطروح الإفطار على أطعمة خفيفة، كالتمر واللبن، وبعد صلاة المغرب، يتناولون إفطارهم الرئيسي، ويسمونه «الضحوية»، ليتبعها «الزردة»، أي الشاى البدوى بنوعيه الأحمر والأخضر، ويتجمع أفراد العائلة حول صينية الشاى، لمناقشة أحوالها والسمر معًا.
بعد الأسبوع الأول، ينظم شباب مطروح رحلات ترفيهية، يسمونها «زردة»، للوديان الصحراوية، ليقضوا يومهم في لعب كرة القدم والصلاة، وإعداد الإفطار على الحطب، خاصة «المردم»، أي طهو اللحم بـ«الردم» أو الدفن في الرمال.
وفي مدن الصعيد، التي تنتشر فيها الطرق الصوفية وأضرحة الأولياء والعارفين تخرج "دورة رمضان" عشية أول أيام رمضان في صورة كرنفالات شعبية ينظمها رجال الطرق الصوفية ويتقدمها الخيالة وراكبي الإبل المزينة بقطع القماش المزركشة يليها أتباع الطرق الصوفية حاملين الدفوف والسيوف ويتبعهم أصحاب الحرف المختلفة.
ويتم الطواف في أرجاء القرى والمدن أحيانًا ويبدأون من أمام أضرحة العارفين وينتهون عندها في حركة دائرية حول القرية وفى الطريق تلقى عليهم النساء من شبابيك وشرفات المنازل الحلوى "وترش" عليهم الروائح العطرية وتصدح بالزغاريد والدعاء بأن يعود عليهم رمضان والجميع في خير وسلام.
وتستعد الأسر والعائلات في صعيد مصر لاستقبال شهر رمضان بشراء احتياجات ولوازم الشهر الكريم، مثل المكسرات والمخللات، والفول المدمس.
أما الأطفال فلهم طرقهم الخاصة لاستقبال شهر الصوم فيصنعون "مدافع" صغيرة يقومون بحشوها بالكبريت لتنطلق أصواتها مزلزلة المكان مع كل أذان مغرب طوال شهر رمضان وتعلق الزينات المصنوعة من الورق والبلاستيك والفوانيس ومجسمات المساجد فوق المساكن وبين الطرقات حيث يشارك في وضعها الجميع سواء كانوا صغارا أوكبارا.
وتقام أفران الكنافة والقطايف، وتضاء وتتلألأ العقود الكهربية وتفتح الزوايا ودواوين العائلات قبل قدوم الشهر بأيام عدة وتستعد الأسر والعائلات لإحياء ليالي شهر رمضان بدعوة أحد "المشايخ" الذي يقرأ القرآن وينشد التواشيح الدينية والأدعية والابتهالات طوال شهر الصوم بدءًا من أذان المغرب وحتى طلوع الفجر فيفطر الشيخ وسط هذه العائلات ويتناول سحوره معهم.
كما تنتشر موائد الرحمن في الشوارع والميادين وأمام المنازل، حيث يدخل الجميع في سباق للفوز بأكبر عدد من عابري السبيل لتناول الإفطار معهم، وفى القرى البعيدة عن المدن تجلس النساء في جماعات لعمل الكنافة بأيديهن، بجانب عمل القطايف والزلابيا.