الحكومة "الخاينة".. مذكرة تفصيلية تكشف تجاهل حكومة "نظيف" تحذيرات وزارة التعاون الدولي من"الابتعاد عن أفريقيا".. يحذر القاهرة من سياستها مع "إثيوبيا".. ويكشف تفاصيل خطة دولية لـ"استعمار أديس أبابا"
حالة القلق التي تعيشها القاهرة طوال الشهور الطويلة الماضية، فيما يتعلق بأزمة "سد النهضة" الإثيوبي، البعض يحاول التقليل من "آثارها الجانبية"، يمنح لنفسه -والآخرين أيضًا- أملًا في "حل الأزمة"، يراهن على "قوة مصر".. "إصرار صناع القرار".. والرغبة الحقيقية في إحداث تغيير لا يضر بمصالح مصر، وفي الوقت ذاته لا يمنح الجانب الإثيوبي، أملا في استثمار وتنمية تحدث نقلة في وضعه الاقتصادي.
جدير بالذكر أن تفاقم أزمة "سد النهضة" الإثيوبي، جاء ليؤكد -بما لا يدع مجالا للشك- أن "القاهرة" تجني ثمار ابتعادها عن القارة الأفريقية، طوال السنوات الطويلة الماضية، وتعاني أيضًا من أسلوب الإدارة الأمني الذي كان يتبعه نظام الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك فيما يتعلق بـ"أمور أفريقيا"، وهو أمر حاول المجلس العسكري، أثناء المرحلة الانتقالية الأولى إحداث تغييرات إيجابية فيه، لكنه فشل، وأرجع البعض هذا الفشل لانشغال "قادة المجلس" بالأمور الداخلية، ومحاولة بسط السيطرة على حالة الانفلات الأمني والانهيار الاقتصادي التي سيطرت على البلاد بعد إزاحة "مبارك".
رحل المجلس العسكري، وجاء الرئيس "المعزول" محمد مرسي، ليبدأ محاولات "رأب الصدع" في العلاقة التي أصبحت تحكم مصر والقارة الأفريقية، فتناول اعتزاز مصر بانتمائها للقارة الأفريقية في دستور 2012، حيث جاء في مادته الأولى: "جمهورية مصر العربية دولة مستقلة ذات سيادة، موحدة لا تقبل التجزئة، ونظامها ديمقراطى، والشعب المصرى جزء من الأمتين العربية والإسلامية، ويعتز بانتمائه لحوض النيل والقارة الأفريقية وبامتداده الآسيوى، ويشارك بإيجابية في الحضارة الإنسانية".
ورغم "عزل مرسي"، فإن مشاورات لجنة "الخمسين" لإجراء تعديلات في "الدستور الإخواني"، خلصت إلى أن نصت المادة الأولى من "الدستور المعدل" على أن الشعب المصرى جزء من الأمة العربية يعمل على تكاملها ووحدتها، ومصر جزء من العالم الإسلامى، تنتمى إلى القارة الأفريقية، وتعتز بامتدادها الآسيوى، وتسهم في بناء الحضارة الإنسانية.
وبعيدا عن محاولات "مرسي".. ورغبات لجنة "الخمسين" ومفاوضات الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي مع الجانب الإثيوبي، فإن مذكرة أعدت مطلع أكتوبر من العام 2009، جاءت لتؤكد أن ما يحدث في الوقت الحالي لا يتعدي كونه "رد الفعل" المتوقع لحالة "اللامبالاة" التي كان يتعامل بها "نظام مبارك" مع أزمات ومستقبل العلاقات "المصرية - الأفريقية".
البداية كانت من داخل قطاع التعاون العربي والأفريقي بوزارة التعاون الدولي الذي أعد مذكرة للعرض على السفيرة فايزة أبو النجا وزيرة التعاون الدولي ومن ثم رفعها إلى رئيس الوزراء تضمنت استطلاع رأي الجهات المعنية ورؤية القطاع لتلك المشكلة بتاريخ 4 أكتوبر 2009.
جاء بالمذكرة أن وزارة الموارد المائية والري أكدت أن من شأن ذلك الأمر قيام تلك الدول باستخدام الري التكميلي وإقامة منشآت ري تحجز المياه مما يترتب عليه نقص الماء الوارد إلى السد العالي، وقد يتجاوز السودان حصته المقررة.
وزارة الاستثمار رأت الإسراع بتأمين احتياجاتنا الزراعية اللازمة للغذاء والصناعة قبل أن نفاجأ بسيطرة الشركات العابرة للقارات على اقتصادات الدول الأفريقية، وهو ما يحدث الآن.
أما قطاع التعاون العربي والأفريقي بوزارة التعاون الدولي فأكد أن امتلاك الدول الغنية الأراضي الزراعية في الدول الأفريقية خاصة السودان سوف يكون له تأثير غير مقبول في الأمن المائي والغذائي ومن ثم الأمن القومي المصري.
وأوصى القطاع بأن يتم –بصورة غير معلنة- إيفاد وفد فني من الجهات المصرية، بالإضافة إلى جهاز المخابرات العامة لإعداد تقرير يتضمن حجم الأراضي التي يتم الاستثمار الأجنبي فيها في دول حوض النيل، وكميات المياه المستخدمة.
وأرجع القطاع دخول تلك الدول السوق الأفريقية إلى تزايد أزمة الغذاء العالمي والحاجة لزيادة إنتاج العالم من الحاصلات الزراعية وتحول الاستثمارات من القطاع المالي إلى الزراعة وصناعة الغذاء، فجمهورية السودان بها 200 مليون فدان صالحة للزراعة مستغل منها فقط نحو 20%، كما أن العديد من دول أفريقيا منحت تلك الأراضي للدول الغنية أو لصناديق سيادية بهدف استثمارها زراعيًا مقابل وعود بتشييد البنى التحتية وزيادة فرص العمل وتحسين إنتاجية الأرض.
وفي ظل معاناة الدول الأفريقية مثل السودان وإثيوبيا وأوغندا من عدم وجود أي موارد مالية توفر لشعوبها الحد الأدنى من مستوى المعيشة، ومعاناة بعض هذه الشعوب بالفعل من المجاعة والتجاهل المصري كان الحل الأمثل من وجهة نظر تلك الدول استثمار أرضها عن طريق البيع أو التأجير.
وجاء بالمذكرة أن المخاطر التي تهدد المصالح المصرية نتيجة صفقات الشراء تتمثل في:
* التأثير في حصة مصر في مياه النيل من خلال استخدام دول الحوض حصتها في الري التكميلي وإقامة سدود تحجز المياه مما سوف يترتب عليه نقصان حصة مصر من ماء النيل.
* الخوف من دخول مستثمرين لهم مصالح تمس الأمن القومي المصري لتلك الدول تحت أي غطاء قانوني من خلال هذه الاستثمارات، خاصة أن أغلبية الأراضي التي خصصتها السودان للاستثمار تقع بالقرب من الحدود المصرية.
* رأت بعض الجماعات والمؤسسات في الدول الأفريقية أن ضخامة صفقات الشراء من قبل الدول العربية والغربية ليست استثمارًا بل استعمار، خاصة أن أغلبها لم يتم وفقًا لمعايير الشفافية، مما يتوقع معه حدوث اضطرابات أهلية سيكون لها تداعيات كبيرة على الاستقرار في دول الجوار الأفريقي مما سوف ينعكس أمنيًا على مصر، رأينا ذلك في تقسيم السودان والتناحر بين الشمال والجنوب.
ورغم صحة وموضوعية ما جاء في تلك المذكرة فإن رجال "مبارك" تجاهلوا التحذيرات، حتى تحولت كل الوقائع والتحذيرات التي احتوت عليها المذكرة إلى حقيقة على أرض الواقع.