رئيس التحرير
عصام كامل

عفوًا سيادة الرئيس.. لن نسمح لك بالفشل (2)


القانون الشرير والفريق الرئاسى

سيادة الرئيس:
عندما كتبت إليك في الأسبوع الماضى ملاحظات حول الأداء العام لمؤسسة الرئاسة، لم أكن أتوقع أن إحساسي بمناطق الضعف هو ذاته إحساس قطاع كبير ممن اختاروك، وهم مؤمنون بك رجل المرحلة واختيار الضرورة، فقد تواصلت معي أعداد كبيرة من مثقفين وصحفيين وأصدقاء من قطاعات مختلفة، انتابتهم ذات الهواجس انطلاقا من خشيتهم على التجربة من انتقال عدوى النظام المباركى إليها، أو تسرب إحساس التفرد الزائف الذي انتاب جماعة الشيطان التي هوت قبل عام من اعتلائها سلم السلطة في البلاد.

وأحسب أن من طالبونى بالاستمرار في نقد الأداء العام لنفس المؤسسة ومؤسسات أخرى، انطلاقا من الحرص على أن تكون هناك أصوات مغايرة لما تسمعه كرئيس لأقدم دولة مركزية في التاريخ البشرى، صنعت من النماذج الدكتاتورية ما هو بعيد وما هو قريب جدا، سقطوا جميعا ولم يبق إلا صفحات خالدة سطرها حكام وطنيون نأمل أن تكون واحدا منهم.

واليوم.. وبمناسبة كلماتك التلقائية التي ألقيتها على مسامعنا يوم الاحتفال بتخريج دفعة جديدة من أبطال الكلية الحربية عندما أعلنت عن تبرعك بنصف ثروتك ونصف راتبك، وهو الإعلان الذي لاقى قبولا حسنا من أطياف شعبية كبيرة، وهنا أقول لك وبصدق من يرفض أن تكون جزءا من المشكلة التي تحاك تفاصيلها الآن على المقاهى وفى الشوارع والحوارى التي تنتظر منك بدء الانطلاقة الحقيقية.. أقول لا ترتجل.. ولأنك أصبحت رئيسا لأكبر دولة في محيطها.. دولة لا تزال تعبر طريقها عبر ثورتين أخرجت خلالهما طاقات النقد وعدم القبول بتكرار نماذج إنتاج النظم الفاشية أو الدكتاتورية.. لا ترتجل فقد جاءت كلمتك أمام الشارع العام في هذا اليوم ضعيفة وهشة وغير واضحة، ولم ينقذها إلا عاطفة الناس عندما أعلنت عن التربع وهو إنقاذ عاطفى لا أكثر..

ورغم حسن نواياك وإخلاصك في مسألة التبرع إلا أنه ليس بالتبرع وحده تبنى الأوطان، إضافة إلى أن كثيرين هم من تبرعوا، وأن كثيرين هم من نادوا بما ناديت به مؤخرا، إلا أنها كانت كلها محاولات لم تستطع في أحسن أحوالها أن تغير من الأوضاع شيئا.. مصر بحاجة إلى استغلال طاقات الناس، والناس في بلادنا لديهم دفقات شعورية وطنية مهمة، تماثل تلك التي ظلت حبيسة القلوب عقب ٢٥ يناير دون استغلال.. وهانحن نكرر نفس التجربة، ونضيع ما هو أهم من فكرة التبرع.. نضيع الحماس الوطني الذي كان في يوم من الأيام الصخرة التي تكسرت عليها مطامع الغرب، وتحطمت عليها نكسة يونيو، وتحولت إلى انتصار عظيم أعاد الحياة إلى أمتنا.

من يحكم مصر لا يجب أن يرتجل.. ومن يحكمها بعد يناير ويونيو ليس عليه أن يأمن التغير الشديد في اتجاهات الرأى العام.. مصر تغيرت والمصريون تغيروا، ومن يحكم مصر يجب أن يتغير قبل أن يُغير.. أعرف قدر إحساسك بوطنك، وأدرك أنك صاحب تجربة في مؤسسة محترمة ومنضبطة، ولكني أيضا أعرف أن الناس ممن اختاروك يتابعونك وشعارهم "حبيبك يبلعلك الزلط"، وذلك كله إلى حين؛ خاصة أن التحرك بدا بطيئا غير واضح المعالم.

والناس يتساءلون: لماذا لم تعلن عن فريقك الرئاسى حتى الآن؟ ألست القائل إننا سنتحرك باللحظة ونقيس الزمن بالثانية؟ ألا ترى أن هذا التباطؤ غير مبرر؟ ألم تكن تعرف ملامح هذا الفريق قبل الانتخابات؟ إن لم تكن تعرف فتلك مصيبة، وإن كنت تعرف من هم معاونوك ومستشاروك ولم تعلن عنهم حتى الآن فتلك مصيبة أكبر.. من حق الناس أن تعرف ملامح هذا الفريق، وأعتقد أيضا أنك بحاجة لأن تعرف ملامح الرجال الذين سيعاونونك على تحمل المسئولية في الفترة القادمة.

وبين سطور النقد لن نغفل ما قمت به من عمل جيد ورائع، عندما قررت رئاسة وفد مصر في قمة غينيا، وما نجحت في تقديمه من وصف دقيق لآلام مصر من قارتها، ولما قمت به من نجاح مهم في ملف المياه، وما تحدثت به وتوصلت إليه من بوادر حسن نوايا بيننا وبين أشقائنا في إثيوبيا، وغيرها من بلاد العمق المصرى في قارتها.. زيارة لابد أن يعقبها طرح إستراتيجيتنا في ملف علاقتنا الذي يجب أن يبنى على أهداف واضحة، لا علاقة لها بأفراد، أو شخصيات.. مواقف مصر من محيطها، وهو ما ظهر أيضا بوضوح في تحركك نحو عمق عربى هو الأهم في التواصل الآن.. تحركك صوب الجزائر.

أعود بعد وصلة صدق إلى وصلة صدق أعمق لأسألك: من ذلك الذي قدم لك قانون الجامعات.. ومن ذلك الشرير الذي ورطك وورط البلاد في وضع مواد سيئة السمعة.. وكيف صور لك أن تدخلك في الجامعات إنقاذ لها.. ألم يقرأ عن تجارب الآخرين، ألم يقرأ عن مجالس الأمناء في ألمانيا مثلا؟.. ثم من قال لك إن القانون بوضعه الحالي لا يعيد الجماعة الإرهابية وأي جماعات أخرى إلى السيطرة على الجامعات؟.. ثم ألم تقرأ أنك تعين ورئيس الجامعة يفصل في واقعة تعد هي الأولى، حيث شرع القانون لسلطة أقل أن تلغي قرار سلطة أعلى.. هو قانون غير دستوري ويعيدنا مرة أخرى إلى مناطق مظلمة في تاريخنا؟

سيادة الرئيس:
لقد قلت إنك تتابع أعمال الحكومة منذ السابعة صباحا، ولكنك لم تقل لنا: أي أعمال؟.. جولات وزير الصحة في المستشفيات؟! وهل لدينا مستشفيات من الأساس حتى يقوم بجولات مفاجئة عليها؟!

إن المفاجأة يا سيادة الرئيس أنه ليس لدينا مستشفيات حتى يضيع الرجل وقته في المرور عليها.. هل تتابع جولات المحافظين في الأحياء لرفع القمامة مثلا؟! هل تتابع جولات وزير النقل في السكك الحديدية؟! هل تتابع وزير التموين في أسواق غير موجودة؟! أي أعمال تلك التي تتابعها يا سيادة الرئيس؟ أين المشروع الذي سيمثل للمصريين قفزة؟.. أين الأفكار غير التقليدية؟

اسمح لي بأن أقول لك وأنت القادم عبر صناديق الحب: هناك من يصرون على صبغ عصرك بنفس ألوان عصر مبارك.. هناك من يضعون العراقيل أمامك لوأد اندفاعك الوطنى.. هناك من ينصبون شباكهم حولك لتعلن على العامة قريبا أن الأهم هو توفير رغيف الخبز، وليس بعيدا أن يصوروا لك أن ما تفعله هو أفضل ما يمكن تقديمه من أعمال.. شيئا فشيئا سنعود إلى عصر معايرة الناس بأنهم عالة، وأن الرئيس يبذل جهودا جبارة من أجل إطعامهم.. تسول من هنا ومساعدات من هناك.. هكذا يتم "ختم" حكمك بنفس "خاتم" مبارك.

سيادة الرئيس:
سيظل كل شيء عشوائيا، إن لم تعتمد على مخلصين يقولون لك "لا" أكثر مما يقول لك محيطوك الآن: كله تمام.. وسنظل ندور في حلقة مفرغة إن لم نأخذ بأسباب العلم، وبما أخذ به من سبقونا.. واسمح لي بأن أقول لك ما قاله لنا أستاذ جامعي كبير، مؤكدا أننا لا يمكن أن نتحرك في الاتجاه الصحيح دون وضع ملفات فنية حسب الأكواد العالمية في التعليم والصحة و… إلخ، ونتحرك وفق هذه الملفات حسب أولوياتنا وإمكانياتنا.. بذلك لن يصبح للشخص السيطرة، وإنما تبقى الملفات هي الحاكم وهى التي توضح موقفنا مما هو حاصل عالميا.

وقبل أن أنهى كلامى، فإنني أحيطك علما بأن ما تعانيه الميزانية من عجز دفعك لأن تردها دون اعتماد، انطلاقا من حسك الوطنى، وإيمانك باستقلال وطنك لن يحل بما لجأت إليه.. صحيح نحن بحاجة إلى إصلاحات في الدعم، وفي حاجة إلى التقشف، ولكن التقشف يبدأ بما بدأ به مدير الكلية الحربية، ولعلي أذكرك بما قدمته الكلية يوم حفل تخرج أبنائها.. سندويتشات بسيطة! غابت هذه البساطة يوم احتفال الكلية الجوية، وغابت يوم احتفال الفنية العسكرية، وستراها غائبة من مكاتب الوزراء.

التقشف يبدأ من جيوش المستشارين، والرفاهية التي يتعامل بها وزراء ومحافظون.. أما إصلاح الميزانية فلن يكون فقط بتحميل المواطن كل أعبائها وإن أردت "تريليونا أو اثنين أو ثلاثة" فإنها موجودة، شريطة أن تكون أنت صاحب الإرادة الأقوى في مواجهة العته الإداري، وأحسب أننا سنقدم لك في العدد القادم بدائل من خبراء وضعوا دراساتهم حبا في وطنهم ولا يريدون إلا وجه الله تعالى.
الجريدة الرسمية