رئيس التحرير
عصام كامل

رسالة من صديق عراقي


جمعتنا قاعات الدراسة بقسم الصحافة جامعة القاهرة، في الستينات من القرن الماضي.. قدم من العراق لدراسة الإعلام في القاهرة، عندما كانت تفتح أحضانها للأشقاء العرب ويلقون المعاملة نفسها التي نلقاها.

وكان زميلنا متشبعا بالفكر القومي ومتحمسا لقيام الدولة العربية الواحدة التي تجمع كل الأقطار العربية في كيان واحد قادر على مواجهة الكيانات العالمية الأخرى وإعادة أمجاد العرب التاريخية.

وكانت له مداخلاته مع المفكر القومي الدكتور يحيى الجمل الذي كان يدرسنا التشريعات الصحفية ومشاكسات لا تنتمي مع الدكتور محمد أنيس المفكر الاشتراكي. وكان طه يشاركنا حضور الندوات التي كانت تقام بأحد مقاهي الدقي القريبة من الجامعة، خاصة عندما يكون المحاضر شاعرا.. فقد كان صاحبنا شاعرا.. وبقدر حدته في الحوار مع مخالفيه في الآراء السياسية التي تصل أحيانا إلى حد الاشتباك إلا أنه كان شاعرا رقيقا وزبونا دائما في دور السينما التي تعرض أفلام عبد الحليم حافظ -مطربه المفضل، واكتشفنا سر تلك الرومانسية عندما اعترف لنا ذات مساء بأنه عاشق كبير.. وأن حبيبته بالعراق تنتظر حصوله على الليسانس على أحر من الجمر ليتزوجا.

وتحقق حلم طه وعاد إلى وطنه وحقق حلمه بالزواج بحبيبته، وحرص على اصطحابها معه في أول زيارة للقاهرة لنشاركهما فرحتهما بالزواج السعيد. لم يتوقف طه عن مراسلتنا إلا بعد سقوط نظام صدام والاحتلال الأمريكي للعراق.. حتى اعتقدنا أن مكروها قد حدث له جراء الحرب الأهلية التي لم تتوقف حتى الآن.

وبقدر شعوري بالسعادة لتلقي رسالة أخيرة منه تؤكد أنه ما زال على قيد الحياة، كانت أحزاني لما جرى له ولشعب العراق بعد الاحتلال الأمريكي.

ولأول مرة، أعرف من خطابه أنه ينتمي إلى المذهب الشيعي.. وأن زوجته سنية.. فلم تكن مثل تلك الأمور تشغلنا كما لم تشغل الرجل ولا زوجته، ولم تكن مطروحة على العراقيين قبل الاحتلال الأمريكي الذي مزق العراق وأشعل الحرب الأهلية. اختلف الأبناء، بعضهم انحاز إلى الأعمام من أهل الشيعة، والآخرون إلى أخوالهم من أتباع المذهب السني.

وهكذا فقد الأبناء وعيهم في ظل الصراع الدموي والسيارات المفخخة والأحزمة الناسفة والاتهامات المتبادلة من الخيانة إلى التكفير.

ويختتم رسالته بأن أقسى ما تلقاه أن يتهم من أولاده بالجبن لأنه يرفض حمل السلاح وقتل عراقي آخر يختلف معه في المذهب.

هكذا ضاعت الأصوات العاقلة.. وضاع العراق.
الجريدة الرسمية