الثابتون والمتحولون!
أكتب اليوم عن طائفة من الكتاب بعضهم ثابتون على مواقفهم الأيديولوجية بالرغم من أن الوقائع تثبت كل يوم خطأ توجهاتهم، والبعض الآخر عن كتاب تحولوا وانقلبوا على مواقفهم المبدئية.
النموذج الأول للكتاب الثابتين على مواقفهم كاتب معروف إخوانى الهوى لم يستطع بالرغم من ادعائه الموضوعية أن يقبل الحقائق الساطعة والتي تتمثل في أن الشعب المصرى في غالبيته العظمى نزل إلى الشوارع والميادين في 30 يونيو لإسقاط حكم جماعة الإخوان المسلمين الدكتاتورى الذي كاد أن يؤدى بالدولة والمجتمع إلى مهاوى التهلكة، وأن القوات المسلحة بقيادة "السيسي" انبرت لتأييد هذا الانقلاب الشعبى الذي ليس له مثيل في التاريخ العالمى المعاصر.
ويصر هذا الكاتب على أن ما حدث هو انقلاب عسكري أسقط الشرعية الثابتة لجماعة الإخوان المسلمين وللرئيس المعزول "محمد مرسي". وهو في هذا المقام بذل جهودًا غير عادية في استعراض أرقام مزيفة عن عدد القتلى في فض اعتصام رابعة، ولم يتردد في تضخيم أعداد المقبوض عليهم من أنصار الجماعة، ونشر عدة مرات مزاعم لا أساس لها عن حوادث تعذيب لمن أودعوا السجون.
ومع أن أعضاء الجماعة الإرهابية يعيثون تخريبًا في شوارع مصر المحروسة ولا يتورعون عن تخريب الجامعات وإلقاء قنابل المولوتوف على قوات الأمن، ويندفعون لتنفيذ الاغتيالات لضباط الشرطة، يقرر الرجل بكل بساطة أنه ليس هناك أدلة ثابتة على أن أعضاء جماعة الإخوان هم الذين يقومون بأحداث العنف أو يمارسون الإرهاب! وذلك لأنه –كما زعم- جماعة أنصار بيت المقدس أعلنت أنها المسئولة! موقف هذا الكاتب الثابت مفهوم، لأن شعاره الثابت "انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا"!
غير أن هناك نماذج للكتاب المتحولين تبعث حقًا على الاندهاش الشديد، لأن مواقفهم الجديدة في دعم جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية –سواء بطريق مباشر أو غير مباشر- تعد انقلابًا كاملًا على مواقفهم الأيديولوجية المعلنة.
أولهم مفكر "ماركسى" شهير مشهود له بالمكانة الأكاديمية الرفيعة في تخصصه، ولكنه فاجأنا بالدفاع المطلق عن جماعة الإخوان المسلمين مستندًا في ذلك بسذاجة شديدة إلى شرعيتها الشكلية التي اكتسبتها من الانتخابات.. ويقول الرجل لماذا لا نصبر على الرئيس المعزول "محمد مرسي" حتى تنتهى مدته، وبعد ذلك إذا أراد الشعب أن يغيره فليفعل من خلال صندوق الانتخابات؟!
ولا أدرى كيف يقول هذا الكلام المتهافت مع ما هو ثابت من أن مشروع الجماعة الإرهابية في "أخونة الدولة وأسلمة المجتمع" كان يسير بخطى حثيثة، وكانت لديها خططها التفصيلية في النفاذ إلى قوات الشرطة والقضاء والإعلام، بل القضاء على المؤسسات الثقافية بحيث في نهاية السنوات الأربع تكون الجماعة قد سيطرت على كل مؤسسات الدولة.. أي انتخابات إذن تجدى في هذا الوضع؟!
أما النموذج الثالث فهو مفكر ليبرالى مرموق مشهود له بالتميز في تخصصه غير أن الرجل –لأمر ما- لم يستطع تحمل صدمة سقوط جماعة الإخوان في 30 يونيو، وانبرى يتحدث عن خطورة "عسكرة الدولة" ويثير المخاوف من عودة "الدولة الأمنية" كما قال، ويتجاهل العنف الذي تمارسه الجماعة يوميًا ضد الشعب المصرى وليس ضد السلطة فقط لكى "يلوك" كلامًا فارغًا عن أهمية احترام حقوق الإنسان وهو مطلب لا نخالفه فيه لكن ماذا عن عنف أعضاء الجماعة وعن الإرهاب الذي يمارسونه؟
وهكذا تحول هذا الكاتب من ليبرالى إلى إخوانى (قح) يدافع عن إرهاب الجماعة باستخدام لغة حقوق الإنسان!
الثابتون موقفهم مفهوم غير أن المتحولين مواقفهم تدعو في الواقع إلى التساؤل عن البواعث والأسباب! ولو حاولنا تحليل المشهد السياسي الراهن في مصر يمكننا في الواقع أن نضع ظاهرة الكتاب المتحولين في موضعها الصحيح.
يمكن القول إن حركة "تمرد" بجسارتها وإبداعها في الاحتجاج الثورى ونجاحها في حشد ملايين المصريين في 30 يونيو لإسقاط نظام الحكم الإخوانى الإرهابى أدت إلى سخط فصائل متعددة ممن يطلق عليهم "الناشطون السياسيون"، الذين أحسوا أنهم همشوا ولم يعد لهم دور مع أنهم منذ 25 يناير حاولوا القيام بأدوار ثورية متعددة مع أن بعض هذه الأدوار تحولت إلى سلوك فوضوى!
ولذلك وقفوا موقفًا سلبيًا من 30 يونيو بل إنهم لم يقبلوا ما ترتب عليه من خارطة طريق أعلنها "السيسي" وما تبعها من خطوات ديمقراطية. وهكذا يمكن القول إنه بغير تنسيق مباشر تحالفت هذه الفصائل الشاردة من الناشطين السياسيين -ربما بشكل غير مباشر- مع أتباع جماعة الإخوان المسلمين الرافضين الانقلاب الشعبى في 30 يونيو باعتباره مجرد انقلاب عسكري.
الكتاب المتحولون –بالرغم من اختلاف توجهاتهم الأيديولوجية- انضموا للأسف مع هذا التحرك الرجعى الرافض ثورة الشعب!