رئيس التحرير
عصام كامل

الوزير الذي لا يأتي أبدًا..!


لا أستطيع نسيان مقالتي التي كان عنوانها "الحمد لله لست وزيرًا" بعد مشاهدتى الاجتماع الأخير لحكومة الدكتور كمال الجنزورى إبان عهد الرئيس الأسبق حسنى مبارك، ويومها رأيت الوجوم على الوجوه وأناسا قد وقف الطير على رءوسهم، رأيت الموت في وجوههم العابسة، وتساءلت يومها: لماذا كل هذا والجرى وراء منصب المفترض لخدمة الشعب ؟ وسألت نفسى: كم تساوى هذه اللحظة في عمرهم ؟ إنها أكثر من 100 عام عند هؤلاء، وقلت الحمد لله لست وزيرًا ولن أكون، وأذكر هنا مكالمة جميلة من الراحل الكاتب الكبير الأستاذ عبد الله إمام وقد ابتسم وقال: اطمئن لن تكون وزيرًا ولكنى أتمنى استمرار د.حسين كامل بهاء الدين في الوزارة.. فليكن دكتور بهاء بدلا منك..!

من الطريف أن الوزير يشيد بكفاءة هذا ويختار غيره، ورئيسه يفخر بأمانته وجديته وعمله الرائع ويرشح أحدًا غيره، وهذا الأمر نعيشه بسخرية جميلة، نتندر بهذه المواقف تارة، ونحرج بها البعض تارة أخرى، وعلينا أن نتحمل توابع اختياراتنا بسعادة ورضا نفس، فطالما أنت مؤمن بأهدافك النبيلة، فلا تنتظر مكافأة من رئيسك أو النظام، فلا عليك فهناك العدل من رب السماء ينتظرك.

كانت هناك معايير ومواصفات لاختيار الوزراء قبل السيسي، الفاشل، الدجال، الفاسد، الأهل والأصدقاء، التشهيلاتى.. هل ستتغير هذا المعايير بعد ثورة جبارة لا يزال العالم في حالة دوار بسببها.. ثورة 30 يونيو؟

أعود إلى ما حدث الثلاثاء -10 يونيو- جاءنى تليفون من صديق رائع، من قيادات وزارة "......" فلم أرد لأننى كنت أسير في شوارع السيدة زينب الجميلة وقد تزينت بفوانيس رمضان، كرر الاتصال فقال: أين أنت.. أنا أجلس أمام التليفزيون لأشاهد التغيير الوزارى وأنا متنبئ بوجودك بعد ثورة 30 يونيو وبعطائك في تجربة غير مسبوقة..؟!!

لم أستطع أن أسيطر على نفسى من حالة الضحك الهستيرى وسط الشارع، وسط تعجب واندهاش المارة، فوجدت صديقى يقول: يا أخى والله أنت جدير بها وأنا متأكد أنها ستأتيك ستأتيك.. أنا توقعت أن تكون الآن مع إبراهيم محلب، وأضاف: والله العدل يرشحك وعطاؤك.. يرشحك بدلا من الجهلة والفشلة اللى كل يوم نراهم يفسدون في الأرض..!

قلت لصديقى الذي يراقب الحالة المصرية من خلف ستار سن المعاش: لست أنا يا صديقى..! وهل يمكن أن تتغير مصر بهذه السرعة؟! هل ببساطة يمكن أن يتحول الفساد إلى نجاح..؟! هل العدل يمكن أن يصل سريعًا إلى أصحابه؟

إننى أتذكر جملة الفقيه سعيد بن المسيب عندما عذبه رجال القصر الأموى، وتم اختيار عمر بن عبد العزيز أميرًا على المدينة والحجاز وكان أول مكان أتجه إليه هو سعيب بن المسيب المربوط في نخلة يلقى أشد العذاب وقام بفك أسره، وسقاه بيده، فنظر الفقيه العالم سعيد بن المسيب إلى عمر بن عبدالعزيز فقال: أهلا بالعدل الذي طال انتظاره..!

لا يزال الوقت بعيدًا حتى يصل العدل الذي طال انتظاره من الشعب المصرى عامة وكل محب وعاشق لتراب الوطن خاصة، والحقيقة أسعدتنى هذه المكالمة التي تحمل درجة عالية من التفاؤل من الكثيرين بسرعة تغيير الأحوال المتدنية، وسوء معايير الاختيار في المجتمع الذي يئن من الألم والتوجع.

ربما يعتقد القارئ هنا أن ما كتبته تجربة شخصية وخاصة جدًا، لا إنها تمثل شريحة حدث معها ويحدث هذا في مختلف المواقع التنفيذية في مصر، وليسمح لى جيل الشباب أن أسمى هؤلاء بأنهم "القيادات الافتراضية" ولكنها لا تأتى أبدًا..!

نتمنى ألا تصبح معاييرنا مجرد "مواصفات افتراضية" بل تكون "حقيقية" حتى لا نفاجأ بالوطن في نظر مخلصيه "مجرد حلم افتراضى"!

اللهم خيب ظنى ووفق إبراهيم محلب في اختياراته الوزارية.. واعمِ السيسي عن المنافقين والدجالين والأغبياء وتاجري لحوم البشر..!
الجريدة الرسمية