رئيس التحرير
عصام كامل

وعي الخاطفين يُفشل الإسرائيليين


يبدو أن عدم إعلان أي جهةٍ فلسطينية مسئوليتها عن عملية اختطاف المستوطنين الإسرائيليين الثلاثة قد آتت أكلها على خير وجه، وخدمت المقاومة الفلسطينية خدمةً جليلة، في سابقةٍ نادرةٍ لم تعهدها من قبل، إذ مكنت رجالها من الاختفاء والتواري بعيدًا عن الأنظار، ومنحتهم الفرصة الكافية لتمكين أنفسهم، وتحصين صيدهم، والانتقال به إلى مكانٍ آمنٍ.

فقد تعذر عليهم تضييق دائرة البحث والتحري، وتركيز عمليات الدهم والتفتيش، فاتسعت دائرة الاشتباه والتوغل، وبات العدو يزداد في كل يومٍ يأسًا، ويبتعد أكثر عن الهدف، إذ بعد أن داهم أكثر من ألفي بيتٍ فلسطيني، واعتقل قرابة خمسمائة مواطنٍ، منهم بعض الأسرى المحررين، ونوابًا من المجلس التشريعي، وبعد أن داهم المغارات والكهوف، وردم الآبار والعيون، واجتاح المزارع والحقول، بمئاتٍ من الجنود المدججين بالسلاح، أعلن المسئولون الأمنيون والعسكريون للكيان الصهيوني، أن ما قاموا به من إجراءاتٍ قاسية بحق الفلسطينيين، لن تقود إلى نتيجةٍ مرضية، ولن تجدي في استعادة المخطوفين أو الحفاظ على حياتهم، بل إنها قد ترتد سلبًا عليهم، وقد تدفع الخاطفين للتخلص من المستوطنين وقتلهم.

لكن العدو الصهيوني لن يهدأ ولن يتوقف عن أعمال البحث والتحري، ولن يغلق ملف مستوطنيه الثلاثة، فقد عودنا أنه لا يترك جنوده ولا يتخلى عن مواطنيه، فهو ما زال يبحث عن الطيار المفقود رون آراد، ويستجدي كل معلومة عن رفاة الجاسوس إيلي كوهين، ويريد أن يستعيدها من دمشق، ليكون له قبر، تبكيه أسرته وتزوره، كما يبحث عن جنوده الغرقى قديمًا وغيرهم.

لذا لا ينبغي أن يخدعنا العدو الصهيوني، ولا أن يستغل طمأنينتنا، فهو لن يدخر جهدًا في الانتقال إلى مرحلةٍ جديدة من البحث والتحري، إذ بعد أن فشل ميدانيًا، وتاه في تلال الركام التي تسبب فيها، فإنه سيعمد إلى العمل الاستخباراتي، وسيبذل جهدًا أكبر في جمع المعلومات، وسينشط وعملاؤه في البحث والاستقصاء وجمع كل معلومةٍ وقرينةٍ وأثر، ولن يفرط في صغيرةٍ منها ولا كبيرة، ولن يهمل البسيطة ولا العظيمة، بل سيخضع كل شىء للملاحظة والدراسة، وسيبدأ في التجسس على المكالمات الهاتفية، ومتابعة المراسلات الإلكترونية، وصفحات المحادثة الاجتماعية، وغيرها من وسائل التواصل وتبادل المعلومات.

عودنا العدو الصهيوني أن يبدأ متابعته من الأمور البسيطة التي لا ينتبه إليها الناس، مما لا يشكون فيها، ولا يعيرونها اهتمامًا، كأن يقومون بمراقبة المطاعم ومحال الأكل السريع، التي تقدم الوجبات الجاهزة، ومعرفة كمية الطعام وأنواعها، وهل هي تفيض عن حاجة المرصودين والمتابعين، وقد يدققون في مجمعات القمامة، ومكبات الزبالة، علهم يعثرون على أي شىء يتعلق بالمختطفين، وقد سبق لهم أن رصدوا أعقاب السجائر، والأدوية الخاصة ببعض المرضى، إن كان أحد المخطوفين يشكو من مرضٍ قديم، ويلزمه علاجٌ محدد.

سيبدأ العدو الصهيوني أكبر حملةٍ أمنية، لتشجيع العملاء على جمع المعلومات، وقد اقترح بعض المسئولين الإسرائيليين رصد مكافآت ماليةٍ كبيرة لكل من يدلي بمعلومات تخص الخاطفين، أو تتعلق بمصير المخطوفين، أو تساعد في التعرف على مكان اختبائهم، كما ستلجأ إلى طلب المعونة من الولايات المتحدة الأمريكية، لتستفيد من أقمارها الصناعية في جمع المعلومات، ورصد المشتبهات، وتحليل البيانات، ودراسة المعطيات.

ربما لا يعرف البعض قيمة المختطفين وأهمية الاحتفاظ بهم، إنهم ما بقوا في أيدنا وبتصرفنا، بعيدًا عن العين والقدرة الإسرائيلية، فإنهم سيشكلون ثمن أسرانا، وبوابة الحرية لهم، فهم الوسيلة الأجدى لإطلاق سراح الأسرى والمعتقلين، ونيل حريتهم، لهذا فلا نفرط في معلومة، ولا نتورط في تحليلٍ أو تفسير، أو اجتهادٍ وتوضيح، بل علينا أن نصمت جميعًا، وأن نترك لمن نفذ للعملية وخطط لها، أن يفكر باطمئنان، وأن يدبر بثقةٍ ويقين، دون أن يعرقل خطتهم سياسي لا يعي، أو مسئولٌ يبحث عن دور، أو عابثٌ لا يحسن التقدير، وتعوزه الحكمة وحسن التدبير.

إن المخطوفين الثلاثة قد باتوا ملك الشعب الفلسطيني كله، وهم أمانةٌ في أعناق رجالها ونسائها، وكلهم عنهم مسئولٌ ومحاسب، ومكلفٌ بالحماية والتعمية والتمويه، فيجب على الفلسطينيين جميعًا أن يحافظوا على سرية وجودهم، وخصوصية قضيتهم، فهم ثروة وطنية وقومية، وثمرة نضالٍ وصبر، ونتيجة جهدٍ وعمل، وإن كَشْفَ أمرهم سيكبدنا الكثير من الخسائر، وسيعرضنا للنقمة الإسرائيلية الغاشمة، التي تحمل الشعب الفلسطيني كله المسئولية، ولا تفرق في اتهامها وعقابها بينهم، كما أن كشفهم سيزيد في عدد المعتقلين، وسيمنع الإفراج عن السابقين، لذا الحذر الحذر، والحيطة والحكمة والوعي وحسن العمل.
الجريدة الرسمية