رئيس التحرير
عصام كامل

عفوًا سيادة الرئيس..لن نسمح لك بالفشل


كنت أفضل الصمت حتى يعرف الرئيس الجديد حدود لياقته في التحرك على كافة المستويات وفق ما سوف يراه بشكل واقعي بعد أن انتقل من خانة المرشح المحتمل إلى الرئيس الفعلى، غير أن توالى الأحداث وقدرات المتربصين بالوطن تدفعني دفعا إلى قول كلمة حق عند سلطان منتخب وقادم عبر أكثر من ثلاثة وعشرين مليون صوت.. ولأن السلطان ليس جائرا فإن قول الحق لن يكون مخاطرة أو مغامرة أو مقامرة بل يصبح واجبا كنا قد قدمنا ما هو أبعد منه أيام حكم الطغمة الظالمة من جماعة الشيطان.

سأعود إلى الوراء قليلا جدا.. يوم التنصيب ولن أتحدث عن عدد لمبات قصر القبة المضاءة في تلك الليلة.. ربما كان الاحتفال الذي حضرته هو الأبسط حيث لا طعام ولا شراب إلا قليلا من عصائر طازجة.. صحيح القصر كان مهيبا بأضوائه المتلألئة، غير أن الأضواء كان مبالغا فيها ولم تكن لمبات موفرة كما طالبتنا أن نفعل في بيوتنا وقد فعلنا.. حجم الاحتفالية كان كبيرا بشكل يتعارض مع ما طالبتنا به والتزمنا أو التزم معظمنا، فلم نشتر ياميش رمضان حتى تاريخه ولن نشترى.

أذكر أني تصورت ساعتها أن ذلك قد يكون استثمارا للحدث سياسيا على المستوى الخارجى إلا أن حضور الخارج كان لقاءات عقدتها سيادتكم وأدت الغرض منذ الصباح، وقبل الحفل.. ما علينا... سنمضى سريعا من تلك المساحة إلى ما هو أبعد من ذلك وندخل إلى الموضوع الرئيسى وهو الحاشية.. نعم الحاشية يا سيادة الرئيس.

أنا لن أتهم أحدا لا أعرفه، وإنما سأسرد بعض الملامح الكارثية.. منذ أيام قليلة شكل المهندس إبراهيم محلب وزاراته الجديدة.. باختصار وزارة مقاول وسيادتكم تعرف كيف يتصرف المقاول فيما يفعل.. يحرص على الإنجاز مع كراهية شديدة للجودة، لذلك تصور الرجل أو سيطرت عليه طبيعة المقاول، واعتبر التشكيل إنجازا في حد ذاته، وهو من أجل ذلك التقى مرشحيه بليل ونهار، وفى مناطق سرية وأخرى مجهولة وثالثة غير معروفة، ظنا منه أن التشكيل من خلف ظهر الصحافة والإعلام هو من قبيل الجودة.

جاءت حكومة محلب مثل «صبة خرسانية» قد تنقصها المياه كثيرا، وقد لا يتناسب فيها حجم الزلط والأسمنت والرمل.. الأهم بالنسبة للرجل أنه صب الوزارة صبا.. لا تسأل عن جودة الأعمدة الخرسانية التي صبها الرجل، ولا تتساءل عن بعضها وكيف جاء في خريف عمره ولا ترهق نفسك، وتسأل عن أسباب الاختيار فالأهم أنك كلفت الرجل، والرجل من ناحيته أنجز المهمة.. بماذا جاء المقاول إبراهيم محلب؟! جاء بوزراء ينتظرون تعليمات السيد الرئيس دون أن يأتى واحد منهم بفكرة من خارج الصندوق.. كلهم لن يقاوموا رغباتك حتى لو كانت اختياراتك غير سليمة.

نعم.. نحن ندرك حجم إخلاصك وتفانيك، وكلنا مدينون لك بفضل إنقاذ مصر، والوقوف إلى الصف الشعبى مضحيا بحياتك.. ولكننا ندرك مثلما تدرك أن أخطر ما يواجه الحاكم هو البدء في تأليهه وها هم قد بدأوا.. عندما كنت تقود الماراثون كنت صادقا مع نفسك، وراغبا في تغيير الأنماط السلوكية، غير أن أحدا لم يقل لك إننا لا نملك رصيفا للمشاة من أصله، ولم يقل لك واحد من معاونيك إن ركوب الدراجة في مصر مغامرة محفوفة المخاطر.

السادة المطبلاتية خرجوا علينا بأن الفكرة عبقرية، وقال بعضهم إن إدارات المرور سوف تنشئ حارات مرورية فورا للدراجات، وتجاهلوا أننا من الأساس بحاجة إلى إدارات مرورية، وبحاجة إلى شوارع، وبحاجة إلى أرصفة، وبحاجة إلى ضمائر أيضا، وعندما ناديت بالاستيقاظ في السادسة أو الخامسة، وطالبت الجميع أن يتوجهوا إلى أعمالهم في السابعة انطلق المهللاتية يصفقون بأكفهم فإن لم يجدوا فإنهم يلطمون الوجوه لإحداث أصوات تسعدك وتبارك خطاك.

لم يقل لك قائل إن معظم -إن لم يكن جميع- أسر العاملين في المصانع والمزارع والدولة لديهم أبناء في المدارس وهؤلاء لا يمكن لهم أن يتركوا أبناءهم نهبا للشوارع المرعبة، أو للخطر الداهم في حوارينا، وأزقتنا، وشوارعنا، ولم يقل لك قائل إن المطالبة بالجد في العمل والاجتهاد لاعلاقة لها بالسابعة صباحا، وأننا لسنا دولة خليجية شديدة الحرارة تحتاج إلى هذا البكور غير المبرر في حالتنا.. ولم يقل لك قائل ممن حولك إن عدد ساعات العمل هو الأصل.. ليلا كان أو نهارا، والاجتهاد فيه هو الأساس ظهرا كان أو عصرا.

دعني أسر لك بما هو معلن للجميع إلا أنت وأقول لك ما لا يرضيك.. إن صناعة الديكتاتور قد بدأت، ونحن على يقين أنك تؤمن بشعبك وتخطط لدولة ديمقراطية قوية قادرة.. غير أنهم بدأوا معك بنفس السيناريو الذي بدأوه مع عبد الناصر فأغلق باب الحرية.. وفعلوه مع السادات فظن أنه رب البيت والأسرة والشعب.. ومع مبارك فصم أذنيه عن الجميع حتى عزل نفسه أو عزلوه عن شعبه فكان ما كان.

لن أحدثك فيما حدثك به غيرى حول عودة مصطلح «بناء على تعليمات السيد الرئيس»، ولن أحدثك عن الطامعين فيك ممن يحيطونك بهالة من الكذب والرياء، فربما كنت تعرفهم، ولكنك تنتظر الفرصة المناسبة لطردهم من على المسرح.. ولن أحدثك عن حكومة مرتعشة لن تقول لك في يوم من الأيام «لا» ولن يجرؤ أحد وزرائها على مخالفتك الرأي، لكشف عيوب ما تدعو إليه أو تطلبه أو تفرضه عليهم.. باختصار.. «ليس معك فريق بل أتباع !!»

إنما أحدثك عن مشهد رأيته بأم عينيّ عندما كنت في طريقي لحضور حفل الكلية الفنية العسكرية.. كان الحى وكل أجهزة المحافظة وأجهزة أخرى معاونة يغسلون الشوارع التي ستمر منها ويلقون بالأتربة والمخلفات في شوارعنا نحن الشعب.. كانوا يسيئون إليك أبلغ إساءة عندما أساءوا إلى شعبك الذي تحكمه بإرادة منه.. كانوا ينثرون زهريات الزرع المتأنق.. هذا المشهد ياسيادة الرئيس رأيناه مرارا وتكرارا في كل العصور.. عصور من جاءوا إلى سدة الحكم بإرادة الديكتاتور، أما أنت فقد جئت بقلوب المحبين والعشاق والمؤمنين بك بطلا وفارسا تعيش معهم.. تأكل مما يأكلون وتشرب مما يشربون.

وخلاصة القول: قرب إليك من فريق عملك من يعارضونك.. فهؤلاء مخلصون يحبونك، وأبعد عنك كل من يردد دوما كلمات التمام والكمال.. ويحاول خلع البشرية عنك، وقرب كل من يذّكرك بالناس ومعاناتهم وهمومهم.. ويذكّرك بما وعدت به ونحن على أبواب شهر كريم.. أين الأسواق الشعبية؟! أين قطعة اللحم التي وعدت بها فقراء معدمين.. ومحتكرو السوق لا يزالون في غيهم يعمهون؟! أين الأسواق الموازية ؟!

قرب إليك من يذكّرك بملفات الفساد، وابتنِ لنفسك جسورا من الثقة بينك وبين شعبك، وأبعد عنك من يفصلك عن عالم الواقع بزرع زهريات الورود الوهمية، فالناس أحبت فيك بساطتك وإدراكك لهمومهم، ومشاغلهم، ومشاكلهم، وأناتهم، وعذاباتهم، واعمل بعقلية الإنجاز العسكري واسمع بأذن المحب لشعبه، ولا تسلم نفسك لمن باعوا غيرك بثمن قليل، وعندما اهتز المركب كانوا أول القافزين..

أقول ذلك وأنا على يقين من سلامة نواياك مثلما بدأ سابقوك، ولكن عزلهم المنافقون في أبراج عاجية لم تحمهم.. وعندما هبت رياح التغيير هرب أبطال الجريمة وتحمل المسئولية من أصبحوا ضحايا.. أقول لك هذا وسأقوله مرارا وتكرارا.. أقوله لأننى مثل كل من انتخبوك وقرروا أنهم لن يسمحوا لفئة ضالة أن تكون سبب فشلك !!
الجريدة الرسمية