لكي نتقدم لا بدّ أن نرجع للوراء
كنت أتعجب لخريج الجامعة ومنهم من كانت دراسته باللغة الإنجليزية داخل الكلية ولا يجيد التحدث بها بالقدر الكافي وغير قادر على قراءة اللغة الإنجليزية بطريقة سليمة ولكننى عندما رأيت بعين رأسى من هم في المرحلة الإعدادية ولايجيد القراءة والكتابة زالت حيرتى.
وأتساءل كيف وصل من وصل إلى الشهادة الإعدادية وهو بهذه الحالة؟ وبعد الدراسة والاستماع إلى كثير من الباحثين الذين اهتموا بدراسة هذه الحالات اتضح لى أنه ليس الفقر ولا المدرسة ولا المنزل ولا عدد التلاميذ داخل الفصل هي السبب ولكن هناك أسباب عديدة مجتمعة هي التي أفرزت لنا هذه الدرجة من سوء التعليم.
فلنرجع إلى مرحلة ما قبل دخول المدرسة.. لا.. بل نعود إلى الوراء منذ أكثر من أربعين عامًا حيث كنت في بداية المرحلة الابتدائية وندرس كيف كانت جودة التعليم حينئذ كانت المدارس الحكومية تفوق في جودتها مدارس القطاع الخاص والتي كانت غير منتشرة حينذاك ولا أحد يسمع عنها غير القليل.
كيف كان اليوم الدراسى؟ كانت الوزارة تهتم جيدًا أولا بصحة التلميذ حيث كان أسبوعيًا يمر على المدرسة طبيب يقوم بالكشف على التلاميذ ومتابعة حالاتهم الصحية وكتابة التقارير التي كانت تقوم إدارة المدرسة بتقدمها إلى ولى الأمر ليتولى مع المدرسة متابعة أولاده ومتابعة التطعيمات بصفة دورية ضد الأمراض وغيرها.
وكان هناك يوم كنا نشاهد السينما داخل المدرسة والتي كانت تقدم شرح العلوم والتاريخ والجغرافيا بطريقة كنا نستمتع بها وكانت المدرسة في ذلك اليوم تقوم بإظلام فصل من الفصول بالستائر الثقيلة ليكون جاهزا لعرض فيلم السينما الذي كانت شاشته عبارة عن ستارة بيضاء كانت تعلق على الحائط وجهاز السينما القديم الذي كنا بمجرد مشاهدته ومراقبة تجهيز الفصل للعرض كانت الفرحة والبهجة تقفز من أعيننا وكانت التلاميذ تعانق بعضها البعض من الفرحة وبهجة ما سوف يعيشونه في هذا اليوم.
ليس هذا فقط بل كنا قبل بدء عرض الفيلم العلمي كان هناك فيلم تربوى يعلمنا كيف نأكل وكيف لا نلقى بمخلفاتنا في الطريق وكيف نعبر الطرق وكثير من السلوكيات التي انعدمت تماما هذه الأيام.
وكان هذا تقليد عام حتى في حفلات السينما فقبل بدء الفيلم لابد أن يكون هناك فيلم تسجيلى عن الوطن وعن الجيش وعن الطريق نتعلم من خلاله الانتماء الحقيقى للوطن وقد انعكس كل هذا على سلوكياتنا في كل المجالات وحتى تعامل الرجل مع الأنثى كانت هناك نعومة واحترام غير عادى فبرغم انتشار المينى جيب والكات بين النساء في تلك الأيام لم نسمع أبدًا عما يسمونه التحرش الجنسي وهذا إن دل على شيء فإنما يدل أن التحرش سببه الأساسى سوء التربية لا أكثر.
فيجب أن نهتم جيدًا بمرحلة تعليم النشء فهى أساس وطن صالح ومتقدم وقد سألت في مناقشاتى لطلبة الماجستير والدكتوراه في التنمية البشرية هل تكدس التلاميذ عائق في العملية التعلمية فكانت الإجابة الموحدة من مدرسين أفاضل يعشقون مهنتهم بأنه مهما بلغ عدد التلاميذ فالمدرس الجيد يمكن توصيل ما يريده إلى كل تليمذ على حدة وليس وقت الحصة بعائق أيضًا، حيث كانت إجاباتهم هي كيفية إدارة وقت المدرس والتلاميذ من خلال منظومة متكاملة يشارك فيها الجميع من وزارة التربية والتعليم والمدرس وأولياء الأمور والدولة بجميع مؤسساتها ومنظمات المجتمع المدنى ومراكز الشباب كلهم في بوتقة واحدة لابد من المشاركة المنظمة والفعالة من أجل خلق وزرع مبادئ سليمة داخل الطفل لبناء وطن متقدم.
ومن هنا تتقدم الشعوب فهل يوجد من يسمع؟ فنحن لا نريد أنظمة جديدة فكل ما نريده أن نرجع للوراء لنتعلم فقط كيف كان التعليم قديمًا وكيف كان المعلم ولك الله يا مصر حماك الله ورعاك.