رئيس التحرير
عصام كامل

النطاعة الفكرية علم وفن!


أتابع - منذ سقوط جماعة الإخوان المسلمين بعد الانقلاب الشعبى في 30 يونيو ضد الممارسة الديكتاتورية للرئيس المعزول "محمد مرسي" وأتباعه- الكتابات المضادة التي يكتبها أنصار الجماعة أو المتعاطفون معها، حتى لو ادعوا أنهم ليسوا أعضاء رسميين في الجماعة.

وقد أدركت من خلال تحليل خطاب هؤلاء وسواء كان في صورة مقالات في الصحف أو أحاديث في التليفزيون أن أعضاء الجماعة وأنصارها كأنهم أصيبوا بصدمة عصبية بالغة الحدة والعنف أفقدتهم توازنهم العقلى!

ويبدو ذلك من الأهداف التي أعلنوا أنهم يسعون سلميًا إلى تحقيقها، وإن كانت هذه السلمية تترجم في المظاهرات الإخوانية في قذف قنابل المولوتوف على قوات الأمن أو حرق سياراتهم أو العدوان على المبانى الجامعية وتحطيم أبوابها، كما حدث في جامعة الأزهر سابقًا، وكما حدث في جامعة القاهرة منذ أيام.

ما هي هذه الأهداف والتي هم مستعدون لتحقيقها إلى التضحية بأرواحهم؟ أهداف سهلة ومقنعة في الواقع! وفى مقدمتها عودة الدكتور "محمد مرسي" إلى منصبه ولو لساعات قليلة، يصدر فيها قرارًا جمهوريًا بإجراء انتخابات رئاسية مبكرة! هذا هو الحل الوحيد الذي يقترحه قادة جماعة الإخوان المسلمين!

قد تبدو هذه المقترحات في الأيام الأولى التي أعقبت إعلان المشير "السيسي" لخارطة الطريق رد فعل سريع إزاء صدمة السقوط السياسي.. غير أنه إذا ما جاء اليوم – وبعد تنفيذ خارطة الطريق ووضع دستور جديد والاستفتاء عليه وتنظيم انتخابات رئاسية فاز فيها السيد "عبد الفتاح السيسي"، ونصب رسميًا باعتباره رئيس الجمهورية - يعد ذلك كله لو ظهر أستاذ جامعى مصرى إخوانى هو الدكتور "جمال حشمت" في قناة "الجزيرة مباشر" ليطالب بعودة "مرسي" فإن ذلك. يعد من قبيل النطاعة السياسية!
وأنا لم أتخيل في الواقع كيف أن أستاذًا جامعيًا إخوانيًا يقدم على إنكار الواقع وتجاهل الثورة الشعبية التي أسقطت حكم جماعة الإخوان المسلمين ويتشبث بمراهقة سياسية ملحوظة بضرورة عودة الرئيس المعزول؟

والسؤال المهم كيف تعمل عقول هؤلاء؟ نستطيع أن نصف هذا المسلك الذي يسلكه عشرات من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين وعملائهم على شاشة "الجزيرة" بأنه من باب النطاعة السياسية! غير أن الذي لفت نظرى في الأساس هو ما أطلق عليه النطاعة الفكرية!

ذلك أن كاتبًا معروفًا إخوانى الهوى اختار يوم تنصيب الرئيس "عبد الفتاح السيسي" رئيسًا للجمهورية، لكى ينشر مقالًا عنوانه "عاجل إلى السيد الرئيس"، وحشاه بمعلومات أكثرها مغلوطة عن عدد المعتقلين بدون وجه حق، وعن حوادث مزعومة للتعذيب في السجون.. وكأن الرجل لم يستطع أن يبتلع ما شاهده في الميادين وعلى شاشات التليفزيون من فرحة الشعب المصرى بعودة الدولة من جديد، واسترداد مصر لروحها التي فقدتها أثناء حكم الإخوان القصير الكئيب!

بعبارة أخرى، كانت المقالة أشبه بكرسى في الكلوب كمحاولة يائسة لإطفاء شعلة الفرح المصرى بزوال حكم الإخوان. سلوك هذا الكاتب نعتبره منطقيًا لأنه يتبع القول المعروف "انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا"، وهو لذلك يدافع عن الإخوان المسلمين بطرق مباشرة وغير مباشرة، مدعيًا الموضوعية مع أنه غارق في الذات الإخوانية حتى أذنيه!

ولكننى لم أفهم سلوك أحد الكتاب من أدعياء الليبرالية الذي هرع لمبايعة الدكتور "محمد مرسي" في فندق "فيرمونت" مع مجموعة أخرى من الأدعياء الليبراليين، زاعمًا أنه فعل ذلك لأن "أحمد شفيق" منافسه هو ممثل الفلول! وبعدما اتضحت حقيقة الممارسة الديكتاتورية "لمحمد مرسي" وجماعته نشر نقدًا ذاتيًا واعترف فيه بخطئه الجسيم كيف وهو ليبرالى يناصر جماعة دينية متطرفة؟

غير أن ما أدهشنى حقيقة أنه - مثل صاحبنا الإخوانى الهوى – نشر غداة تنصيب الرئيس "السيسي" أيضًا مقاله كلها هجوم على رئيس الجمهورية المنتخب مقتبسًا من خطبته التي ألقاها في قصر القبة عبارات معلقًا عليها على أساس ادعاءات عن المعتقلين وتعذيبهم في السجون، تمامًا مثلما فعل صاحبنا الإخوانى الصريح! هذه الظواهر تثبت أن النطاعة الفكرية علم وفن!
الجريدة الرسمية