رؤية مختلفة للمعنى الحقيقي لـ"الصلاة على النبي" (ص)!
كنا نسأل على الدوام وغيرنا يسأل..كيف نصلي نحن عباد الله على رسوله ؟ يصلي الله سبحانه ومعه الملائكة على النبي ؟ هل هي صلاة الركوع والسجود والتشهد التي نقيمها نحن لله سبحانه وتعالى، أم هي الدعاء كما يقول بعض المفسرين، أم هي التحية التي نقولها عقب سماعنا اسم رسولنا ونقول فورا " عليه الصلاة والسلام "؟!
ولأن الأمة مشغولة بكاملها بالشكل عن المضمون وبالمظهر عن الجوهر لذا استسهلت الأمر وقال علماؤها التفسيرات الثلاثة السابقة جميعها..عالم واحد فقط كعادته ذهب إلى عمق العمق..ذهب كمنهجه الذي اختاره لنفسه بالغوص إلى الأصول اللغوية للألفاظ حتى يصل إلى معانيها..ومن دون الدخول في تفاصيل قد ترهق قارئنا العزيز ولكنها موجودة بالكامل في كتب الرجل وموسوعاته وباستفاضة..
لكننا نقول إن الدكتور محمد شحرور المفكر الإسلامي السوري الكبير تأمل طويلا في معاني لفظ الصلاة ولاحظ أنه يرد في القرآن الكريم بشكلين مختلفين هما " الصلاة " و" الصلوة" وإن الثانية دائما يسبقها لفظ " وأقيموا " أو " أقاموا " وتوصل إلى أن اللفظ الثاني هو الذي يعني الصلاة الشعائرية بسجودها وركوعها اللذين نعرفهما..
ودلل على ذلك بالآيات: "رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلوة وإيتاء الزكاة، يخافون يومًا تتقلب فيه القلوب والإبصار) هنا الصلوة (بالواو). وفي قوله تعالى:
- (ألم تر أن الله يسبح له من في السموات والأرض والطير صافات كل قد علم صلاته وتسبيحه، والله عليم بما يفعلون) هنا الصلاة (بالألف).
ونلاحظ أن الصلوة وردت في الآية الأولى بالواو، وبعد فعل الإقامة، ونفهم هنا أنها بمعنى القيام والركوع والسجود، أما في الآية الثانية، فقد وردت الصلاة بالألف ( صلاته)، والحديث فيها عن الطيور. ولما كنا نعلم أن الطيور لا تقيم الصلوة الطقسية المحددة بالركوع والسجود والقيام والقعود، فإننا نفهم أنها هنا بمعنى الصلة مع الله. وهي صلة تسبيح ودعاء يعلمها الطير ولا نعلمها نحن، لولا أن أخبرنا تعالى بها وبوجودها..
ثم يكمل الدكتور شحرور ويقول: إذا وقفنا أمام قوله تعالى:
- (إن الله وملائكته يصلون على النبي، يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما)
وفهمنا أن فعل "يصلون" وفعل "صلوا " هما من الصلوة، يصير معنى الآية أن الله وملائكته يقومون ويقعدون ويركعون ويسجدون على النبي، سبحانه وتعالى علوا كبيرًا. وأن على الذين آمنوا أن يركعوا ويسجدوا أيضًا على النبي.
ولكن الفعلين في الآية من الصلاة، أي الصلة، فيصبح معنى الآية أن هناك صلة بين الله وملائكته من جهة، وبين النبي من جهة ثانية، وأن الله يطلب من المؤمنين أن يقيموا صلة بينهم وبين النبي، قال بعضهم إنها الدعاء. وأنا أرى أنها أكثر من ذلك، ففي أذان الصلوة ذكر لله والرسول، وفي القعود الأوسط والأخير ذكر للنبي ولإبراهيم. ذكر النبي لأنه أبو المؤمنين، وذكر إبراهيم لأنه أبو المسلمين!
والخلاصة البسيطة جدا هي: الصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام ليس بالتحية التي نرددها عند ذكر اسمه الشريف فحسب.. وإنما أن نكون على الدوام على اتصال وصلة بسنته وسيرته وأفعاله..أن نفعل الخير كما فعل وأن نتسم بالحلم والرفق كما كان وأن نحب الفقراء ونحسن إليهم ولا نسرق ولا نقتل ولا نقول الزور وألا نتكلم إلا صدقا وأن نبتسم ونتصدق ونصبر ونترفع عن الصغائر ونتسامح ونعدل بين الناس حتى لو كان أقرب الناس إلينا ( فاطمة بنت محمد )!
لكننا تركنا الجوهر ككل شيء في حياتنا نحن العرب والمسلمين.. واستسهلنا الأمر كله.. واكتفينا بما اكتفينا به ونعرفه وتعرفونه!