رئيس التحرير
عصام كامل

لغز العراق المفقود (1)


في يوم 9 أبريل 2003 استيقظ سكان الكرة الأرضية على خبر بالغ في الغرابة "القوات الأمريكية تدخل بغداد"!! ذلك الخبر الذي أذهل العالم.. حيث كانت بغداد في ذلك الوقت أشبه بالترسانة العسكرية والحصن المنيع كما أن التصريحات النارية للصحاف- وزير الإعلام العراقي حينها- صاحب المقولة الشهيرة "العلوج" جعلت العالم يعتقد أن بغداد هي مقبرة الأمريكان لا محالة وهو ماجعل سقوط بغداد لغزا محيرا للكثيرين حتى وقتنا هذا، وثارت عاصفة من التساولات أين الجيش العراقي؟ أين صدام ؟ كيف سقطت بغداد؟ 



وظهرت العديد من الأساطير وقتها منها أن مايحدث خدعة لجر الأمريكان إلى حرب شوارع، حيث لا قبل لهم بها، وهناك من قال إن العراق سلم طائراته ودبابته إلى سوريا، وهناك من قال إلى تركيا بل أن الأمر بلغ بالبعض إلى سرد قصص وهمية خيالية مثل أن صدام له أكثر من شبيه، وأنه شوهد فجر يوم سقوط بغداد 7 سيارات تابعة للسفارة الروسية تغادر العراق باتجاه سوريا، وأن هذا الموكب هو موكب صدام حسين نفسه، وأنه هرب وهكذا ظهرت أسطورة صدام والعراق، حتى بعد القبض على صدام وإعدامه بقي لغز سقوط بغداد واختفاء الجيش العراقي بغتة وكأن العراق كانت بلا جيش أصلا يحميها، وأن أسود الرافدين عبارة عن أشباح اختفت مع الريح.

وفي يوم 10 يونيو 2014 استيقظ العالم أيضا على خبر آخر غريب "سقوط محافظة الموصل في أيدي قوات داعش " !! ما هذا.. كيف حصل.. وما دخل داعش بالعراق.. وأين الجيش العراقي الذي صرفت عليه أمريكا مليارات الدولارت وكان هذا الاختفاء الثاني للجيش العراقي.

ولكن كان ينبغى علينا أن نعرف السر سريعا قبل أن يتحول الأمر مرة أخرى إلى أسطورة من أساطير مملكة بابل، التي تعودنا على سماعها فيما يخص بلاد الرافدين، وقمت بالتواصل مع بعض أهالي الموصل من المعارف والأصدقاء وكانت الصدمة التي أذهلتني، فليس هناك وجود لداعش أصلا في الموصل ولا غيرها، وإنما هؤلاء هم جنود وضباط الجيش العراقي السابق في عهد الصدام!! نعم يا سادة جيش صدام حسين موجود ويقاتل، إذن فكيف اختفى ذلك الجيش إبان الغزو الأمريكي للعراق؟!

ماحدث هو أن الجيش العراقي بعدما علم أن الهزيمة قادمة لا محالة، وأنه إذا استمر في المقاومة ضد الأمريكان فإن العراق سوف تباد عن بكرة أبيها ولن يبقى لها وجود، فالأمريكان جن جنونهم مع التقدم البطيء داخل العراق، وهو ما أفقد الجيش الأمريكي هيبته وأسطورته بأنه أقوى جيش في العالم، فقامت القوات الجوية الأمريكية والملكية البريطانية في يوم 21 مارس 2003بـ 1700 غارة جوية على بغداد، ألقت فيها ما يقارب من 504 صواريخ كروز، وكانت تلك القشة التي قصمت ظهر البعير، وقام بعض القادة العسكريين في الجيش العراقي بإصدار أوامر فجر يوم 9 أبريل 2003 لجنودهم بإلقاء السلاح وخلع الزي العسكري والعودة إلى منازلهم وهي تلك اللحظة التي قامت فيها معركة المطار ببغداد ودخلت على أثرها القوات الأمريكية إلى بغداد.. وهكذا اختفى جزء كبير من الجيش العراقي في ليلة سقوط بغداد.
أما الجزء الذي تبقى فقد تم تسريحه كاملا خاصة الضباط والرتب العسكرية الكبيرة.. فبعد أن استقر المقام للأمريكان قام الحاكم المدني الإداري الأمريكي لبغداد "بول برايمر" بحل وزارتي الدفاع والإعلام وتسريح القيادات الكبرى ممن كان لهم خبرة عسكرية كبيرة اكتسبوها في حرب إيران والعديد من المعارك الأخرى..
ولقد وجدوا هؤلاء العسكريين أنفسهم بلا عمل ويتم ملاحقة بعضهم قضائيا أو يتم تصفيتهم، فكان الحل الأمثل لهم تنظيم خلايا عسكرية صغيرة والهرب بعيدا عن المناطق التي تسيطر عليها القوات الأمريكية أو الحليفة لأمريكا وانضم إلى هؤلاء العسكريين السابقين ما يزيد عن 30 ألف متطوع غير عراقي، ممن ذهبوا إلى العراق للمشاركة في الحرب ضد الأمريكان، وفروا جميعا إلى سوريا أو إلى شمال العراق، حيث الأغلبية السنية التي كانت تساند صدام حسين، وحيث دارت معارك دامية لم تنتصر فيها أمريكا مثل معركة الفلوجة.

الجريدة الرسمية