رئيس التحرير
عصام كامل

فتنة «الصلاة على النبي»!


فجأة انتشر منشور «هل صليت على النبي اليوم؟» في أرجاء مصر المحروسة، وتبارى الجميع في طباعته ولصقه على زجاج السيارات وعلى أسوار المدارس والجامعات وعلى جدران المنازل والمؤسسات، وعلى مواقع التواصل الاجتماعي.. اعتقادا منهم أن وزارة الداخلية «كافرة» والقائمين عليها «كفار» ويحاربون الإسلام، وهو بلا شك تصور ساذج وصاحبه يكاد يكون مختلًا عقليًا.

وقبل أن يسألني أحد «هل صليت على النبي؟»، وتتهمني بأنني عميل لـ«الداخلية» التي تريد القضاء على الإسلام بإزالة هذه الملصقات، دعني أسألك عدة أسئلة: هل هناك مشكلة لدى المصريين مع «الصلاة على النبي»؟ بالطبع لا.. هل استطاع هذا المنشور أن يغير من سلوك المصريين إلى الأفضل؟ أشك في ذلك.. إذن مَنْ وراء طباعة هذا المنشور، وما الهدف منه، ولماذا ينتشر في هذا الوقت بالذات، وهل تعتقد أن هذا المنشور سيعيد للإسلام مجده وللمسلمين عزتهم؟

عشرات الأسئلة المشروعة التي نبحث عن إجابات لها، خاصة أن هذا المنشور ربما لن يغير من طباع المصريين، ولن يرفع من أخلاقهم التي انحدرت إلى أسفل سافلين، وهناك عشرات الأمثلة على ذلك.

فالسائق الذي يحرص على لصق منشور «هل صليت على النبي؟» على زجاج سيارته هو أول من يستغلك، ويرفع الأجرة عليك، ولا يلتزم بآداب السير على الطريق، ولا يبالي بدعواتهم عندما يتعمد تقطيع المشوار الواحد إلى عدة محطات، ولا يبالي بمشاعرهم عندما يرفع صوت الكاسيت بطريقة مستفزة ليتمايل على أنغام أغنية «هاتي بوسة يا بت»! 

والموظف الذي يجتهد للصق هذا المنشور هو ذاته الموظف الذي يذهب إلى عمله متأخرًا، ويتباطأ في خدمة الناس، ويختلق الأعذار ليتغيب عن العمل، والأدهى من ذلك أنه يطبع هذا الملصق على ورق ووعلى نفقة المؤسسة وليس على نفقته الخاصة، دون أن يهتز له جفن، وكأن مال المؤسسة هو مال أبيه!

والبائع الذي يلصق هذا المنشور على جدران محله، هو أول من يغشك في البيع والشراء، ويخفي عنك عيوب السلعة.. والناشط الذي ينشر هذا الملصق على صفحته بموقعى «فيس بوك» و«تويتر»، ولا يدخر جهدًا لـ«تشييره» هو ذاته الذي يدخل الصفحات الإباحية، ويعاكس البنات منتحلا شخصية غير شخصيته!

والداعية الشهير الذي كان يطالبك دوما بالصلاة على الحبيب، ويدعوك للاقتداء به، هو نفسه الداعية الذي لم يقتدِ بالنبي وتزوج أكثر من عشرين زيجة، بعضهن صغيرات السن!

إنني ضد انتفاضة وزارة الداخلية لإزالة هذا الملصق، وكأنه السبب الرئيسى في تدهور الحالة المرورية وانتشار الحوادث، في حين تتغافل عن تسجيل مئات وآلاف المخالفات يوميا.. ولكن ما أقصده أننا لا نريد تعليق بوسترات «هل صليت على النبي» فقط.. بل نريد تفعيل هذه الصلاة في قلوبنا والعمل بها في حياتنا.. لا نريد وضع «القرآن» على تابلوه السيارات وتحت الوسائد فقط.. بل نريد العمل بكتاب الله والالتزام به سلوكًا ومنهاجًا.. ولا أريدك أن تحدثني عن الإسلام وسماحته لكن دعني أرى ذلك في سلوكك وأفعالك، ولا تتحجج بأن «الداخلية» تحارب الإسلام، فلو اجتمعت الجن والإنس على أن يطفئوا نور الله «الإسلام» ما استطاعوا.

كنت سأبارك انتشار هذا الملصق لو كان أصحابه كتبوا فيه «هل راقبت الله في تصرفاتك اليوم؟» هل أديت عملك بأمانة وإخلاص؟ هل فكرت في طريقة لخدمة الناس والتخفيف عنهم..؟ فإذا كانت الصلاة على النبي سُنة، فإن كل ما سبق واجب على كل مسلم ومسلمة.. اللهم جنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن.. وارحمنا من السفهاء.. واجعلنا ممن يشفع لهم نبيك محمد، صلى الله عليه وسلم.
الجريدة الرسمية