آفة الحكم!
عادة ما يستثقل الإنسان العادى النقد وإن كان بناء، أو النصح رغم أنه دين، أو التحذير من الوقوع في شرك مع أنه لخيره ومصلحته، فما بالنا لو كان هذا الإنسان رئيسًا، أو مسئولا كبيرا؟! كم هي كثيرة تلك التحذيرات التي وجهت للرئيس السيسي من بطانة السوء وهو يخطو خطواته الأولى كرئيس لمصر.. أحسب أن التحذيرات في مكانها، فكثيرا ما كان يبدأ الرئيس - أي رئيس - حكمه بالعقل والرصانة والحكمة والرشد، لكنه مع الوقت يتغير، عن طريق تلك البطانة التي تملك من وسائل الغواية ما يجعل العابد شيطانا، حتى نفاجأ في لحظة أننا أمام رئيس غير الذي نعرفه، وسبحان الله الذي يغير ولا يتغير..
والتاريخ مليء بقصص وروايات مرعبة ومخيفة، قامت بها هذه النوعية، خاصة إذا ترك لها الحبل على الغارب.. لقد عانت الشعوب كثيرا على مر الدهور والعصور من بطانة السوء، إذ قد يصل بها الأمر في بعض الأحيان إلى التحكم الكامل في مفاصل الدولة، فلا يبرم أمر إلا من خلالها، ولا تقضى مسألة إلا بموافقتها.. وسواء كان ذلك بإرادة الحكام أم بدونها، فإن النهاية غالبا ما تكون كارثية على الجميع.. لدى بطانة السوء قدرات كبيرة وإمكانات هائلة في الكذب والغش والخداع والتضليل، فضلا عن الجلد السميك والذيل الغليظ، ناهينا عن قدر لا بأس به من "الكلاحة" و"التناحة" و"النطاعة".. لذا فان التحذيرات ضرورية ومهمة، ويجب ألا تتوقف..هي نوع من الإيقاظ والتنبيه المستمر للرئيس، حتى لا يركن يوما ما إلى هذه النوعية من البطانة.
في الوقت ذاته، كم هي قليلة تلك التحذيرات التي توجه إلى الرئيس بشأن نفسه، فالنفس أمارة بالسوء، إلا ما رحم ربى "وما أبرئ نفسى إن النفس لأمارة بالسوء".. صحيح أن الرئيس تم انتخابه من الشعب، وصحيح أن فوزه كان باكتساح، لكن هذا لا يمنع أن تأتى الثغرة منه ذاته.. فالحكام مهما كانت منزلتهم ومكانتهم أو قدراتهم وإمكاناتهم، إلا أنهم في النهاية بشر، يصيبون ويخطئون، يتعافون ويمرضون، ينتصرون وينكسرون.. هم ليسوا أصحاب عصمة أو قداسة.. والبشر بطبيعتهم يميلون إلى الهيمنة والسيطرة، حتى في أفكارهم وآرائهم.. يعشقون المديح، رغم أن معظمه كذب.. ويمقتون النقد حتى وإن كان صدقا.
ينسى أو يتناسى المحذرون أن بطانة الرئيس لا تفرض عليه، بل هو الذي يختارها.. بالطبع هناك حالات تفرض فيها البطانة على الرئيس، مثلما حدث مع الدكتور محمد مرسي، فلم يكن لدى الرجل أي فرصة للاعتراض.. لكن نحن نتحدث عن الغالب الأعم، خاصة في بيئة تمجد الرئيس وتتغنى بعبقريته وزعامته وإلهاماته.
الحالة التي نحن بصددها تستبعد فرض بطانة على الرئيس.. فلم يخرج الرجل من حزب ولم ترشحه أو تدعمه أو قامت بالصرف على حملته الانتخابية جماعة لها توجهاتها الفكرية.. وبالتالي فهو الذي سيختار بطانته، معتمدا - بطبيعة الحال - على تقارير الأجهزة المعنية، وليس على مجرد استحسان لأداء البعض في برامج التليفزيون الحوارية.. قد يقول البعض: إن الرئيس السيسي ربما يستعين برجال من القوات المسلحة، خاصة في هذه الظروف التي تتطلب ضبطا وربطا..
وهذا وارد فهو في حاجة لأهل ثقة، لكن الأهم أن يكونوا أهل قدرة وكفاءة..هناك مؤاخذات على حملة الرئيس السيسي.. بعضهم محسوب على نظام مبارك، وليست هذه هي المشكلة.. إنما المشكلة تكمن في أن هؤلاء كانوا من "الزمارين" و"الطبالين" لعملية توريث السلطة لـ "جمال مبارك"(!)، وهو ما دفع بعض الكتاب والمثقفين إلى التخوف مما تأتى به الأيام، فهل "تأتى الرياح بما لا تشتهى السفن"؟! نسأل الله السلامة.