رئيس التحرير
عصام كامل

عربون الشعب..و عربون الرئيس


العربون معناه بدء سريان العقد، وقد قدم المصريون أكثر من عربون محبة للرئيس الجديد.. طلب منهم التفويض ففوضوه، ولم يكتفوا بذلك، فطالبوه بأن يكون رجل المرحلة.. انصاع السيسي لمطالب الجماهير ورد العربون، فزاد الشعب بعربون آخر وانتخبوه باكتساح، ويبقي على الرئيس دين، إذ لابد من رد العربون اثنين، وأحسب أن أكثر العرابين تأثيرا هو تنفيذ ذلك التعهد الذي أخذه الرئيس على نفسه وهو إعلان الحرب على الفساد.

ما فعله فلاديمير بوتين من استعادة بعض حقوق الشعب الروسي من سالبيه كان عربون محبة.. أعقبه بحرب ضد الفساد، ثم أعاد الهيبة إلى الدولة الروسية.. مضي في طريقه، ومحبة الجماهير درعه الواقية، ومساندة الناس مصدر قوته، وطريقه إلى دولة قوية مهابة الجانب، ونظن أن الرئيس المصري الجديد قد ألمح في أكثر من مناسبة بمضيه قدما نحو كل ما هو في صالح الوطن والمواطن، ونحسبه قادرا على رد العربون بأكثر مما أخذ.

وعربون الفقراء «لقمة هنية» تصل إليهم بكرامة وعلاج آدمى وصيانة لعزتهم وعودة لحقوقهم المسلوبة منذ سنوات. وعربون الشباب أمل يطل برأسه من نافذة المستقبل، يصنع لهم حلما في غد أفضل.. غد يجدون فيه عملا يشعرون معه أنهم جزء من البناء، وعربون المرأة أن تجد طريقها للقيام بدورها الحقيقي معبدا ممهدا.. وعربون الفلاحين في يد تحنو عليهم وتمنحهم اهتمام الدولة بأهم عناصر البناء في دولة كانت زراعية، وأرادت أن تكون صناعية فلا هي أبقت على زراعتها، ولا وصلت إلى صناعة وطنية خالصة وقادرة على النفاذ إلى خارج الحدود.

عربون الصحفي حريته، وعربون المعارضة شوارع تسمح لها بالتواصل فيها مع الناس، وعربون الفنان حصنه الإبداعى، وعربون الثقافة فك القيود، وعربون العامل أن يجد ماكينة يفرغ فيها طاقته، ويجد فيها حيويته، بعد أن حالوا بينه وبين أدواته في عصر مبارك الذي باع كل شيء.

ورد العربون من الشعب بالاستجابة لما طلبه الرئيس، وهو لم يطلب إلا العمل، والعمل هو الذي يصنع أوطانا قادرة على الإسهام الحضاري والعيش بقوة بين الأمم.. العمل هو الذي صنع من ألمانيا المنهكة والمحطمة بعد الحرب دولة قادرة على أن تتحمل كل أعباء وأمراض الاتحاد الأوربى، والعمل هو الذي نقل ماليزيا من دولة فقيرة غير قادرة على الحياة إلى دولة عظمى تنافس كبريات الدول في كافة المجالات، والعمل هو الذي نقل أندونيسيا من دولة تعيش على المعونات إلى دولة كبرى في محيطها.

العمل ابتني حضارات، والكسل هدم امبراطوريات.. بالعمل نحيا وبغيره نتمنى الموت فلا يأتى.. بالعمل نصبح أسيادا وأصحاب سيادة، وبغيره نقتات من الغير ونفقد سيادتنا.. بالعمل نصبح رقما في المعادلة الإقليمية والدولية، وبدونه نظل عالة على الآخرين.

رئيسنا الجديد لم يطلب منا لبن العصفور، واكتفى في حملته برفع هذا الشعار الذي أكد فيه أنه لا يملك لنا إلا العمل، ولا يطلب منا إلا العمل، وأتصور أن إعلاء قيمة العمل من شأنه أن يغير فينا بعض آفاتنا، إذ أن الفراغ هو آفة تصطحب معها الخراب والدمار إلى أي مجتمع تتمكن منه، ويكفي أن ندلل على بطالتنا بمطالعة صفحات التواصل الاجتماعي التي تحولت بين يوم وليلة إلى صفحات للهدم الاجتماعى، وطريقا للنيل من كل ما هو هادف ومأمول.
الجريدة الرسمية