رئيس التحرير
عصام كامل

أيام النور الأخيرة!


لا أثق مُطلقًا في حزب النور، أو المُنشقين عنه حزب الوطن طبعًا، ولا أية أحزاب ذات طابع دينى، لا كراهية للدين ـ والعياذ بالله ـ كما سيقول السُفهاء؛ لكن لسبب بسيط جدًا، هو أن كُل المتوارين خلف ستار الإسلام في هذا المجال، هُم (أناس / هيئات / تنظيمات / مجموعات / جماعات) مُفلسة تمامًا سياسيًا، لا تعرف من لعبة السياسة سوى أنها اتفاقات تُحتَرَم أحيانًا، وتُنقَض في مُعظم الوقت حسب المصلحة، بينما السياسة ـ أكيد ـ أكبر من كده!

ربما كانت رغبة حزب النور المُستعرة في الوجود على الساحة السياسية أو الاجتماعية أو الإعلامية مؤخرًا بعد أن انتهت جماعة الإخوان التنظيم الأكبر والأشهر (شعبيًا ورسميًا وتاريخيًا) هي وحزبها الحُرية والعدالة، أقول ربما كانت هذه الرغبة هي السبب في لهاثه المُستمر وركضه المُبالغ فيه والذي وصل لحَد الزحف على الرُكب تأييدًا لـ(السيسي) في انتخابات الرئاسة، حتى إنهم في اليوم الثالث للانتخابات قاموا بإطلاق أغنية (تسلم الأيادى) في أتوبيسات نقل الناخبين مجانًا التي سيَّرها الحزب للجان، وهى نفس الأتوبيسات التي كانت تقوم بإطلاق أناشيد على الدُف (حسب الشريعة) خلال انتخابات الرئاسة في 2012، والدعوة المُتحمسة (وقتها) لاختيار (محمد مُرسى) حليف الأمس، وسجين اليوم!

يعنى الأغانى اللى كانت "أصلًا حرام" زيها زىّ أي حاجة في الدُنيا على رأى حزب النور وقطبه الكبير (عبد المُنعم الشحات)، أصبحت حلالًا بلالًا، وقد يؤكد الشيخ (ياسر برهامى) في فتوى لوز جديدة من فتاويه قبل نهاية هذا الأسبوع على الأكثر، أن العبد يُثاب على سماعه للأغانى، خاصةً لو كانت أغانى لـ(نانسى عجرم) و(بسكال مشعلانى)، وربما أيضًا لو (آمال ماهر) و(شيرين)!

الفارق بين الإخوان المسلمين وحزب النور ـ كسياسيين أو راغبين في أداء أدوار سياسية ـ هو أن الجماعة استخدمت الدين للوصول لأغراض سياسية، فشلت فشلًا ذريعًا في تحقيقها عندما امتلكت السُلطة؛ لأنها لم تكُن مؤهلة مُطلقًا للعبة، وظنتها حُكشة أو عسكر وحرامية، بينما يحلم حزب النور في استخدام السياسة لخدمة الدين، وهو غرض وإن كان نبيلًا، إلا أنه لا يُمكن تحقيقه من تيار جاهل سياسيًا، مُنفر ـ إلى حدٍ ما اجتماعيًا ـ 

حتى لو كان هذا النفور قد بدأ يقل مؤخرًا ومؤقتًا سطحيًا ومظهريًا لا عمليًا أو عن ثقة فيهم أو احترام لهم من جانب الناس العاديين، بسبب انضمام الحزب ـ إجباريًا وطوعيًا معًا ـ للحركة الشعبية والأغلبية الساحقة من أصحاب ثورة يونيو، رغم أنه ـ الحزب ـ لم يُشارك فيها، وإن شارك في منحها غطاء بلحية وجلابية خلال إعلان الثالث من يوليو فحسب! 

بالبلدى الحزب الذي رغب في استخدام الثورة والسياسة لتحقيق أغراضه، تم استخدامه هو بُمنتهى الذكاء خلال ذلك الإعلان، وكان مُهمًا إلى حدٍ ما أن يظهر مُمثله في الكادر بذقنه الطويلة، للتأكيد على أن الحرب ليست ضد الإسلام كما كذب الإخوان وأذيالهم وقتها، وكما يكذبون دائمًا، وهى فعلًا ليست كذلك، فلا أحد يهتم بالإسلام في هذا السباق، فقط هو وسيلة عند البعض ولبانة في أفواههم للضحك على الغلابة والمُتحمسين دينيًا بلا وعى، وعلى سبيل المثال، هل استخدم (مرسي) الشريعة خلال عام كامل حَكَم فيه البلاد؟! وكم قانونًا إسلاميًا صرفًا سنَّه مجلس الشعب الذي كانت أغلبيته الساحقة من الإخوان والسلفيين، مُقابل عدد الفضائح الأخلاقية التي لا تمُت لأى دين بصلة (لا إسلامى ولا غيره) التي قام بهذا مشاهير هذه الأحزاب، من الإخوان المُخادعين اللى كلام ليلهم مدهون بزبدة، يصبح الصُبح يسيح، إلى (البلكيمى) الكاذب أبو مناخير، إلى (على ونيس) المزنوق تحت الكوبرى، للألسنة المُفترض قطعها لـ(عبد الله بدر) و(وجدى غُنيم)!

لو كانت هذه هي النماذج الإسلامية فإنه أمر مؤسف فعلًا، فيكفينا إرهاب السفَّاح (عاصم عبد الماجد)، وأكاذيب (حازم أبو إسماعيل)، وتخاريف (حافظ سلامة) ـ يا خسارة ـ الذي أكد أن المُجرم (خالد الإسلامبولى) أحد قتلة (السادات) هو شهيد بطل، تكريسًا لمبدأ زرع حُب الإرهاب في قلوب وعقول التيارات المتطرفة الصاعدة!

ولو كان حزب النور قد امتلك بعض الشعبية عقب ثورة يناير مُباشرة، على أساس الناس اللى بدقون شيوخ بتوع ربنا، ملهمشى في الباطل ولا البطال، فحصُل بذلك على نسبة لا بأس بها في انتخابات أول برلمان تالٍ لذلك، فإن كُل هذه الوجوه والتيارات قد انكشفت، وأصبح رجُل الشارع العادى ـ لا السياسي أو الناقد ـ الآن قادرًا على نبذ تُجار الدين، خاصةً وهو على يقين تام أن إسلامه الذي تشكك فيه لسنوات بسبب إعلامهم وقنواتهم وشيوخهم المحموقين دائمًا بلا سبب، لا يقل أبدًا في شكله أو شعائره عن إسلامهم، بل إنه ـ ذلك المواطن غالبًا ـ وبأمر الله ـ أفضل عند ربه منهم؛ فإسلامه يقينًا وكاملًا لوجه الله سبحانه وتعالى، لا يبغى من وراءه مكاسب سلطوية أو سياسية أو إعلامية مُطلقاُ بعكسهم وعكس شيوخهم (خالد عبد الله) و(أبو إسلام) مثلًا!

بناءً على ذلك، فإنى على يقين أن حزب النور، والذي يلعب في الوقت الضائع وغير المُناسب الآن، خاصةً وأن الدستور الجديد ينُص أصلًا على عدم قيام أحزاب على أساس دينى، فإن ذلك الحزب يعيش حاليًا أيامه الأخيرة، ويقتصر التأييد له على فئة واحدة فقط هي أعضاؤه أو المُستفيدون مُباشرةً من وراءه، أي إنه يُعانى وسيظل يُعانى من كونه منبوذًا رسميًا وشعبيًا، رغم عمليات التجميل الفاشلة التي يحاول القيام بها مُنذ عام بالتمام والكمال، وستكون رصاصة الرحمة خارجة من صندوق انتخابات البرلمان المُقبلة، لتكون تلك الرحمة من نصيب الحزب والشعب معًا، وهو أول تلاق بينهما، وأيضًا الأخير!

الجريدة الرسمية