رئيس التحرير
عصام كامل

"بين القصرين"


من حسن حظى إصابتى بإدمان القراءة منذ صغرى، وشاء الله أن أقرأ روايات عملاق الرواية نجيب محفوظ، ولأننى من مواليد حى الحسينية العريق بقلب القاهرة الفاطمية، فقد شاهدت بعينى أبطال روايات محفوظ على الطبيعة، كانوا يعيشون بيننا، وكم سعدت بالجلوس إلى الرائع نجيب محفوظ فى مقاهٍ بحينا العريق، ناقشته وحاورته، وكان الأديب العلمى واسع الصدر ينصت لمتحدثه، ويوضح ببساطة محببة ما استشكل على أفهامنا..

ومن بين روائعه "بين القصرين" التى توسطت عقدية الفريدين "قصر الشوق" و"السكرية"، وكانت ثلاثية رائعة، غاص فيها محفوظ فى قاع الأحياء الشعبية، فالتقط ما لم نره، وسلَّط الضوء الباهر على الحارة المصرية بأهلها وناسها وأبوابها المغلقة والمشرعة، والعلاقات بين الحى والأحياء المجاورة  من تعاون وصراع، ومكائد ومجاملات، وركز على صفة تعم الجميع وهى "الشهامة" بلا حدود.
كنا نعيش أجمل أيامنا.. نستمتع بالقراءة ونناقش كبار الأدباء الذين كانوا يتحلقون حول درة مصر وجوهرتها "نجيب محفوظ".
وبعد عشرات السنين عشنا عصر "مرسى" وجماعته ممن يحاربون الأدب والإبداع، وينتقل الرئيس من قصر الاتحادية إلى قصر القبة هربًا من الثوار الذين يهتفون "ارحل"، ودارت معارك طاحنة أمام القصرين، لتعود إلى الذاكرة رواية "بين القصرين"، لكن بشكل مختلف، النار تحرق مصر ومرسى وإخوانه يلقون المزيد من الزيت على النار.. المصلون يرفضون وجوده بينهم، لكنه يقتحم مساجدهم بجحافل حراسة المدججين بالسلاح وحرسه الجمهورى وأمنه المركزى وقواته الخاصة، يصلى معهم، رغمًا عنهم، وهم له كارهون، ثم نشاهد مناظر أكثر عبثًا من مسرح "صمويل بيكيت" وحراس مرسى يجرون خلف سيارته حفاة!
لست مع اقتحام القصرين، وضد حرقهما على طول الخط، فالقصور الرئاسية ملك الدولة، حكم منها جمال عبدالناصر والسادات ومبارك ومرسى، وسوف يرحل عنها شاء أم أبى، إن عاجلًا أو آجلًا.
رحم الله نجيب محفوظ، وأمتع برواياته عشاق الأدب الرفيع، وأنقذنا ممن يقتلون الشعب ويسفكون دم الإبداع.
الجريدة الرسمية