رئيس التحرير
عصام كامل

أخلاقيات الديمقراطية!


الديمقراطية ليست مجرد نظام سياسي ساد عليه الاجماع منذ نهاية القرن العشرين على أنه أفضل النظم السياسية قاطبة. لم يحدث هذا الاجماع بمحض الصدفة، بل كان نتيجة الممارسات السياسية التي سادت طوال القرن العشرين. في هذا القرن الذي يطلق عليه مؤرخو الفكر "عصر الأيديولوجية"- بحكم التزاحم الأيديولوجى الذي أغرق الساحات السياسية والتنافس الضارى بينها- ظهرت النازية والفاشية والشيوعية والاشتراكية والديمقراطية.

وقد أدت الممارسات العملية إلى السقوط التاريخى لكل من النازية والفاشية، بعد أن لاقى الزعيم النازى "هتلر" مصيره بالموت انتحارًا بعد أن هزمت ألمانيا بواسطة قوات الحلفاء هزيمة ساحقة، وبعد أن لاقى "موسولينى" الزعيم الفاشى مصيره بالإعدام شنقًا!

خلت الساحة بعد ذلك -بعد نهاية الحرب العالمية الثانية- للتنافس الأيديولوجى الحاد بين الحلفاء الذين خاضوا الحرب ضد النازية والفاشية، واستطاعوا بعد تضحيات جسيمة إسقاط هذه الأيديولوجيات المنحرفة والتي كانت مضادة لمسار التاريخ. برز الاتحاد السوفيتى بأيديولوجيته الشيوعية في مواجهة الولايات المتحدة الأمريكية بأيديولوجيتها الرأسمالية والديمقراطية. وقامت معارك أيديولوجية وسياسية دولية كبرى أثناء مرحلة الحرب الباردة بين كلتا الدولتين العظميين.

وشاء دهاء التاريخ أن ينهى المباراة الصفرية التي دارت بين الشيوعية والرأسمالية بسقوط وانهيار إمبراطورية الاتحاد السوفيتى، وبالتالى خلت الساحة أمام الولايات المتحدة الأمريكية بأيديولوجيتها الرأسمالية ونظريتها الديمقراطية.

ومن هنا – وبعد تصاعد الموجة الثالثة الديمقراطية بمعنى تحول عديد من النظم الشمولية والسلطوية إلى الديمقراطية - أصبحت الديمقراطية هي الأيديولوجية العالمية التي تبسط رواقها على كل أنحاء العالم. ولا يمنع ذلك أنه ما زالت هناك دول شمولية مثل كوريا الشمالية وكوبا، ودول سلطوية مثل عديد من الدول العربية ما زالت تقاوم الديمقراطية، إلا أنه يمكن القول: إنها أصبحت اليوم المثل الأعلى للإنسانية.

غير أنه ينبغى أن نؤكد أن الديمقراطية ليست مجرد نظام سياسي، بل إنها لكى تحقق قيمها الأساسية لا بد لها أن تتحول إلى أسلوب حياة. بمعنى أن تسود القيم الديمقراطية، وأبرزها التداول السلمى للسلطة والحوار واحترام الآخر والحرص على التوافق السياسي- ولا يتم التوقف فقط عند آليات الديمقراطية وهى صناديق الانتخاب التي يمكن أن تخرج لنا –في ظل ظروف منحرفة- شرعية شكلية كما حدث في شرعية جماعة الإخوان المسلمين المزيفة.

بل إننا –أبعد من ذلك- نتحدث عن ضرورة مراعاة أخلاق الديمقراطية، وهذه الأخلاق تظهر أساسًا في المنافسات السياسية الدورية في مجال الانتخابات البرلمانية والانتخابات الرئاسية.

وتتجلى هذه الأخلاقيات في ضرورة أن يلتزم الخصوم السياسيون لغة الحوار الراقى، وأن يمارسوا النقد – حين يمارسونه- في ظل آداب الحوار، ولا يجوز لهم بالتالى أن يلجأوا إلى محاولات اغتيال شخصية الخصوم.

ولا يعنى ذلك أنه لا تحدث مخالفات صارخة أحيانًا في لغة النقد السياسي للخصوم أثناء الانتخابات الرئاسية في بعض البلاد العريقة في الديمقراطية كالولايات المتحدة الأمريكية. وعلى سبيل المثال نذكر حالة بارزة من مخالفات الأخلاق الديمقراطية حين دخل "جورج بوش" الأب في منافسة حادة حول رئاسة الجمهورية الأمريكية في مواجهة "كلينتون" منافسه. إذ صرح مرة بأن "كلبته" تفهم في السياسة الخارجية أفضل من "كلينتون"! غير أن "بوش" سرعان ما أدرك أنه ارتكب خطأ جسيمًا، ولذلك اعتذر علنًا عن إهانته الصريحة لمنافسه الذي تغلب عليه بعد أن فاز فوزًا كاسحًا.

ولو انتقلنا إلى مصر وتابعنا المعركة الرئاسية الأخيرة التي دارت فيها المنافسة بين "السيسي" و"حمدين صباحى"، فيمكن القول: إن "السيسي" التزم بأخلاقيات الديمقراطية ولم يذكر "صباحى" بسوء، في حين أن "صباحى" أفلتت منه عبارات غير لائقة حين صرح بأنه لو نجح في الانتخابات فإنه سيحاكم "السيسي" ليس باعتباره "مجرمًا" ولكنه لكونه كان مسئولًا بحكم عضويته للمجلس العسكري عن الأحداث الدامية التي وقعت أثناء المرحلة الانتقالية.

غير أنه بعد نهاية الانتخابات بالفوز الساحق "للسيسي" وحين ألقى خطابًا موجهًا للشعب المصرى وجه بفروسية ديمقراطية التحية "لحمدين صباحى"، وفى المقابل اتصل "صباحى" "بالسيسي" تليفونيًا مهنئًا إياه بنجاحه، وهكذا انتصرت أخلاقيات الديمقراطية!
الجريدة الرسمية