ليلة تنصيب الزعيم
كان نهار اليوم يلملم آخر ضوء منه مستقبلا ليلا قاهريا بديعا عندما سألت الإعلامية اللامعة محمد منير لماذا تضع نظارة سوداء على عينيك؟ وتأتى الإجابة من شاب نوبى أسمر وهو يقول: أنا كائن ليلي أعيش تحت الأضواء منذ سبعة وثلاثين عاما، وفجأة يجد لاعب المصارعة المصرى الفذ "كرم جابر" فيسأله: هل تقف بجواري إذا ما اختلفت مع زوجتي؟ ويرد كرم: لا إلا الهانم يا كينج.
على جانب آخر من احتفالية قصر القبة التي جرت وقائعها مساء الأحد الماضى يبحث الفنان محمود ياسين عن مقعد فيقفز شابان متسابقان من أجل راحة الفنان الكبير في الوقت الذي التف عدد من ممثلي الفلاحين في الحفل حول الفنان هاني شاكر الذي منحهما رقم تليفونه وهو سعيد بينما كان علي الحجار محاصرا خارج القصر من شباب مصر الذين اعتلوا سيارته وطالبوه بالنزول فنزل على رغبتهم.. حاصروه حبا واحتضنهم شوقا.
عادل إمام كان يتقافز كشاب عشرينى سعيدا تطل من عينيه فرحة غامرة تنبئ عن مستقبل لأحفاده أصبح مطمئنا عليه.. يرفض عزومة حسن يوسف بتوصيلة مجانية ويصر على البحث عن سائقه.. سميرة أحمد تعانق ليلى علوي في حين تحظى نادية الجندي بسلامات من المحيطين بها.. عرفت أن صديقى خالد صلاح وصل إلى مقر الاحتفال من صوت ضحكته المميز وهو يداعب رفيق دربه الصحفى النشط عادل السنهوري ويشاركهما عماد الدين حسين إطلالة الزمالة القديمة.
كان قصر القبة يجمع بين أسواره العتيقة ضحكات الأمل وصورة مشرقة عن مصر الغد.. رؤساد أحزاب يخططون للتحالف وآخرون غاضبون من تلكؤ البعض وفريق ثالث يؤمن أن مصر غدا أفضل. كان التفاؤل هو القاسم المشترك بين الحضور.. مفكرون وفنانون وصحفيون وقضاة ورجال سياسة يعنونون خريطة المستقبل بخيوط الأمل القادم.. مصر البهية الناضرة الحاضرة قد عادت وصوت فيروز ينساب من جنبات القصر.. مصر عادت شمسك الذهب.
المشهد المثالى الذي طالعه المصريون في صباح هذا اليوم العظيم بالمحكمة الدستورية العليا من عناق بين رئيسين يتكرر في أمسية قاهرية عبقرية عندما وصل الرئيسان إلى المنصة وعيون الحاضرين تطالع ذات المشهد لتطبعه في ذاكرة الأبناء والأحفاد كجزء من ذاكرة حضارية تعيد إلى الأذهان مصر الأبية الشامخة العذبة الطازجة.
كان ليل القصر شهيا شجيا.. رئيس سابق يقدم رئيسا منتخبا بروح القاضي الذي استلب قلوب وعقول المصريين خلال أحد عشر شهرا جاد فيه إلى الموقع بالصدفة ورسم جزءا من بهائه بالحكمة والهدوء وهيبة القاضي المحنك ورئيس جاء إلى موقعه بإرادة المصريين رغما عن أنف الغرب وغير الغرب ليعتلي منصة المسئولية وسط حفاوة عبرت عنها أسر بكاملها حاصرت القصر رغبة منها في أن يخرج عليهم ليصافحهم ويحييهم رافضين الاقتناع بأن الرئيس ربما ذهب ليخلد إلى راحة حرم منها فترة ليست بالقصيرة وغدا سيبدأ يوم عمل جديد إيمانا منه بأن شرعية الصندوق إنما تؤكدها شرعية الإنجاز والعمل.
هكذا "عشنا وشفنا" صورة محت من ذاكرتنا صور الحارات "المزنوقة" و"الأهل والعشيرة" ومصر المخطوفة من محيطها ومن أهلها ومن ذاكرتها ومن سمرتها وعروبتها ومن أهلها ودورها ومن جسدها وقلبها.. رأينا واحدة من ملاحم التاريخ التليد لن تكتمل إلا بزرع الأمل نبتة في بيوت الغلابة في حواري مصر وأزقتها.. في قراها ونجوعها.. في ريفها وحضرها.