داعش..قصة هزيمة
باستثناء الفلوجة ودوام المواجهة فيها بين قوات الجيش العراقي ومجموعات دينية متشددة ومن يساندها هناك، فإن معارك سريعة وخاطفة تحاول من خلالها دولة الإسلام في العراق والشام التأسيس لوجود ما تندلع من حين لآخر في مناطق بعينها، وكان الهجوم العنيف والخاطف على مدينة سامراء التي تحتفظ بثقل سكاني من السنة وبوجود رموز دينية للشيعة، واحدا من تلك الهجمات وأسفر عن هزة عنيفة في الأوساط السياسية والشعبية بسبب توافر عوامل حدوث الفتنة فيما لو تمت الاستجابة لهاجس داعش هناك.
غير إن ردود فعل الناس كانت هادئة عموما بل إن العديد من النخب الاجتماعية والدينية والعشائر رغبوا كثيرا في صد هجوم داعش، وربما رفضوا بشكل قاطع أن يلبوا مطالبهم وتركوهم عرضة لضربات عنيفة من الجو، ولم يمهلوهم كثيرا، ولم يوفروا لهم الملاذ فأبيدوا بقسوة من قبل الجيش، وتحطمت عجلاتهم وأسلحتهم، وتناثرت جثثهم، ثم فشلت محاولة اقتحام مناطق في الموصل. وفي ديالى حاول العديد من المقاتلين مهاجمة مديرية مكافحة الإرهاب بعبوات وسيارات مفخخة لكن القوات الأمنية كانت جاهزة وتعاملت بقسوة معهم.
هناك تصورات لما يجري في الفلوجة وفي بقية المناطق الموصوفة إنها مناطق للسنة غرب العراق، حيث تبدو كأنها تحت ضغط لا يدفع ثمنه سوى المواطنين العاديين مع وجود رموز سياسية وشخصيات دينية وتجار ومتنفذين تستهويهم لعبة الموت وتحقق لهم المزيد من الأرباح، كذلك ما يفعله المتشددون الذين ليست لديهم رؤى استراتيجية عميقة للمستقبل، بينما الأطراف الأخرى في العراق قومية ومذهبية ليست عرضة للأذى الكامل، وهي ترى أن السنة يرتهنون للعنف ولا مستقبل لهم وهم في حال العجز عن عزل المتشددين وإنتاج نخبة سياسية فاعلة تخدم مصالحهم وتستطيع أن تتفاوض بالنيابة عنهم ببراغماتية كاملة دون أن تخضع للإغراءات، أو للتهديد والابتزاز، أو أن تكون تحت سطوة المسلحين، وهو ما يخشى أن يكون حدث بالفعل لسياسيين سنة خلال السنوات الماضية، ما أدى إلى فشل سياسي لم يوفر شيئا لأبناء المحافظات الناقمة والمحتجة على ما يسميه المتظاهرون تهميشا وإقصاء للمكون السني في هذا البلد.
الحرب في مدن السنة لا تقدم شيئا لأهلها، بل تجعل منها ساحة لمواجهات لا تنتهي بين المجموعات المتشددة وقوى الأمن الرسمية وتضعف من الحضور الاقتصادي والسياسي لهذه المدن وتشغلها بصراعات لا طائل من ورائها..السنة على ما يبدو منقسمين بين ضعيف لا يقوى على فعل شىء وهو مستسلم للأمر الواقع، وبين مستفيد من الصراع خاصة تجار الحروب وبعض السياسيين والشيوخ وبعض المتطرفين. لكن في النهاية ستجعل هذه الحرب من مدن السنة بلا أهمية تذكر وتحولها إلى مجرد أمكنة خاوية لتصفية حسابات. ولابد من إبعاد المتطرفين عنها والترتيب لحلول سياسية لن تأتي طالما أن هناك من لا يريد التسليم بالتغيير الذي ضرب الدولة العراقية في العمق وحولها إلى صياغات جديدة لا طائل من مقاومتها ورفضها.
ما يمكن أن تفعله النخب السياسية يجب أن يحدث بتوافق مع الحكومة العراقية والمكونات الأخرى للوصول إلى حلول نهائية، ومحاولة التنصل من ضغوط الإقليم المجاور، ولكي لا يبقى السنة يروون في المستقبل قصة هزيمة.