ثورة المعانى الزائفة
نسمع هذه الأيام أوصافاً لأفعال كثيرة، مُغايرة لحقيقة الفعل على الأرض، وقد أتت بها تلك المدعوة "ثورة". فنندهش، لأن المعنى غير الفعل، وكأن أغلب ما نحياه كذب مُتعمد مغروس فى كم شديد من المُبالغة!!
فالمُفترض أن المليونية، تحوى مليون شخص على الأقل، فلا تجد أكثر من العشرات أو المئات أو بضعة آلاف... ودوماً أتساءل: هل يمكن أن يكون هناك مصداقية فى المبادئ، مع انعدام الصدق؟!
ومنذ يومين وقف المُتأسلمون أيضاً فى "مليونية نبذ العنف"، مُعبرين عن شىء مختلف عما رأيناه واستشعرناه. فأمام شاشات التلفاز "هددوا الثوار بالإبادة"!! فكان لسان حالهم بل ورموزهم أيضاً، يُعبرون عن العُنف، فى تظاهُرة يُفترض أنها تقف ضده!! والسؤال: ما الفرق بين هذا الموقف ومن كانوا يقفون فى ميدان التحرير من مدنيين، مُطالبين بالديمقراطية، بينما يهددون كل من يُعارضهم؟!
وتستمر المساخر، ليُملى علينا من الإعلام، بأن مرسى هو أول رئيس مدنى وأول رئيس منتخب، رغم أن مصر فى عصرها الجمهورى كله، دولة مدنية!! وكان مبارك يُحاكم أمام محكمة مدنية، وهو فقط من خلفية عسكرية مثله مثل السادات وعبد الناصر؛ بل مثله مثل الجنرال ديجول فى فرنسا والجنرال أيزنهاور فى أمريكا، وكلاهما رئيس مدنى بخلفية عسكرية فى دولتين مدنيتين.
كما أن أول انتخابات رئاسية تعددية أُجريت فى مصر، كانت فى 2005، بشهادة العالم كله وبشهادة مراكز الأبحاث العالمية، ولذا فان مبارك هو أحد رؤساء مصر المدنيين وليس الأول أيضاً، ولكنه أول رئيس مصرى مُنتخب، دونما تزييف للتاريخ، كما يفعل المُتأسلمون والثوار والإعلاميون والنخبة!!
ويحب الثوار جداً أن يكرروا أن مبارك هو الرئيس المخلوع" ظناً منهم أنهم من خلعه، ولكنهم لا يستطيعون أن يخلعوا ولو وزير فى أى حكومة، ليخلعوا رئيساً فى الدولة. فلقد أسقط الرئيس الأمريكى أوباما، مبارك وإلا فلما لم يسقط الثوار مرسي؟! إن مبارك ذهب بملء إرادته بعد أن هددت أمريكا مصر. فلم يُرد الرجل الخراب لمصر وكان همه حفظ دماء المصريين، بعكس هذا البلطجى منتهك القانون المدعو مرسي!!
و"الثورة رائعة" وفقاً للثوار لأنهم يتجسدون فى الفعل، وللإخوان لأنهم يدينون بفضل ما وصلوا إليه للثورة، وبعض الإعلاميين والنخبة، لأنهم يجب وأن يتماشوا مع "الرايجة"!! أما بقية الناس، فأغلبيتهم القصوى، يلعنون تلك المُسماة "بالثورة". إلا أن كل هؤلاء، لا يهمهم الشعب من الأساس، لأن الشعب بالنسبة لهم "جاهل"، ولا يُمكنه أن يُقرر لنفسه، حتى لو أنه يُعانى الأمرين ويزداد فقراً وتستحيل حياة أغلبيته فى وسط هذا الخراب المدوى الذى كان هذا الكذب المستمر ضمن أهم أسبابه.
ورغم أن هذا الكذب المُستمر يتعارض كلياً مع الشريعة وتطبيقها، فإن المتأسلمين لا يهمهم أن يستمروا فى الخداع والضلال، بينما يقولون بتطبيقهم لتلك الشريعة!!
إلا أن الخروج من هذا الزيف واجب وطني، للخروج من الأزمة المُعاشة، فلقد أضحى واضحاً أن "الواقع" شىء، وما نقوله على مدى السنتين الماضيتين شىء مختلف كلياً، وإما أن يتوافق الواقع مع ما نقول، أو أن نتوقف عن الشكوى ونُكمل الطريق إلى السقوط بمنتهى الصمت، فى ظل استمرار هذا الزيف!!
إن سيادة القانون ودولة المؤسسات، هى التى ستُخرج الدولة من الكثير من هذا الزيف وعلى كل فرد منا بالإضافة إلى الإعلام، أن يُساهم فى قول الحق حول كل ما يُحيط بنا، بصوت مسموع، للمُساهمة فى تطوير الدولة المصرية على أُسس مُحترمة!!
والله أكبر والعزة لبلادي،
وتبقى مصر أولاً دولة مدنية.