مستقبل القوى السياسية في مصر
فرضت قضية التحرر الوطنى، مفهومها على مصر منذ أوائل القرن العشرين، وكان الوطنيون من العلمانيين والليبراليين أول من تصدى للمحتل في ذلك الوقت، وأفرزت حركتهم بزعامة سعد زغلول مفهومًا احتجاجيًا مقاومًا تمثل في ثورة ١٩١٩ التي تمخضت عن تكوين وفدٍ مصرى ليتفاوض مع الإنجليز من أجل الحصول على الاستقلال، ولكنها لم تفض إلى نتيجة ملموسة تحقق هدف المصريين في الخلاص من المحتلين.
مما نال من فاعلية وجدوى هذا التيار الوطنى في عقل وضمير الشارع المصرى، وخلق فراغًا معتبرًا استغلته حركة الإخوان بزعامة حسن البنا منذ عام ١٩٢٨، والذي كان مطلبها بالخلافة وبتحكيم الشريعة بدلًا من تقنين التشريع الغربى يبطن معنى من معانى الاستقلال والخلاص من التبعية الأوربية في ذلك الوقت، لذلك لاقت حينها مصداقية في الشارع المصرى، وكان هذا هو سر شعبيتها لاستنادها إلى ذلك المعنى دون غيره، فلما تحول سعيها لاستلاب السلطة بعد عام 19٤٨ كان هذا بداية أفولها السياسي فانقلب عليها الجيش عام 1955 الذى فرض نفسه كقوة سياسية غالبة منذ ١٩٥٢.
أيد المصريون حركة الجيش الوطنى لأنهم اعتبروه الأمل الباقى لهم في الخلاص من المحتل الإنجليزى حيث توج ذلك المنحى اتفاقية الجلاء عن مصر سنة ١٩٥٦، ومن يومها صار الجيش ممثلًا للسيادة الوطنية وراعيًا لها في صورة جمال عبد الناصر الذي أكد على ذلك المعنى في كل خطبه وحواراته.
ثم عاد شبح التبعية والضعف في عصر مبارك ذلك الإحساس الذي فجّر الثورة عليه في نهاية الأمر، ولم يتعلم الإخوان من ماضيهم فلهثوا ثانية وراء الحكم، فلما تبين للمصريين سعيهم لضرب السيادة المصرية لمصلحة الغرب والتفريط في أرض مصر استدعوا الدور الأصلى للجيش الحامى لسيادة مصر والراعى لمفهوم التحرر وإنهاء التبعية..
وفى خضم ذلك خسر العلمانيون والليبراليون مواقعهم في الشارع السياسي لتعلقهم بقضايا فرعية تكتيكية تتعلق بالحرية والعدالة الاجتماعية، كما خسر الإخوان تأثيرهم في المستقبل المنظور لخيانتهم قضية التحرر، وأخذ الجيش الراعى لاستراتيجية السيادة المصرية موقعه الوطنى من جديد.
فالقضية الرئيسية في مصر ليست قضية الأمن أو الاقتصاد في المقام الأول، بل هي قضية التحرر والسيادة، من قام بأعبائها.
نال تأييد المصريين بلا شك.