الضيف الخفيف.."منصور" أول قاض يتولى الرئاسة ويترك مفاتيح الاتحادية.. اختير رئيسًا للمحكمة الدستورية العليا يوم انفجار ثورة 30 يونيو.. تولى حكم البلاد "مؤقتًا" في 3 يوليو.. واليوم عاد للقضاء
غادر الرئيس المؤقت عدلي منصور قصر الاتحادية، بعد أن سلم الرئيس الجديد مهام عمله، لكن يبقى لهذا الرجل أنه تمكن من نقل هيبة ورصانة منصة القضاء إلى كرسي الرئاسة، بعد عام حافل بالأزمات غابت فيه «شمس الاتحادية» تحت حكم الرئيس المعزول محمد مرسي.
الآن يقف الرئيس منصور على «عتبة الاتحادية» مستعيدًا ذكريات عام كامل بين جدرانه، محاسبًا نفسه على كل خطاب ألقاه وقرار اتخذه وزائر استقبله.. المستشار منصور «68 عامًا» وقع باسمه في سجل الرؤساء المصريين كأول قاضٍ وأول رئيس للمحكمة الدستورية يتولى رئاسة الجمهورية، واليوم يدخل التاريخ المصري كأول رئيس في مصر يسلم مفاتيح القصر الرئاسي لخليفته وهو «حي يرزق.. حر طليق».
«الخلوق المتسامح»
منذ الخطاب الأول للمستشار عدلي منصور كرئيس للجمهورية، وضعه أساتذة علم النفس تحت عدستهم النفسية محللين شخصيته، إذ اعتبر كثيرون أن خطاب تنصيبه رئيسًا بعد أداء اليمين الدستورية في «5 يوليو 2013»، بدا فيه مطلعًا للعلوم النفسية، وظهر متمتعًا بشخصية جادة أظهرها أسلوب إلقائه للكلام، رافضًا أسلوب تعامل الإخوان وقراراتهم وتآمرهم الدائم ضد وطنهم.
وكان منصور دائم الدهشة من إقدام شخص على التفريط في أمن وطنه، مقابل «أي منصب في هذا العالم»، وتعجب كثيرًا «كيف وصلت درجة الحقد والكراهية إلى تدمير وطن من أجل منصب مهما علا قدره؟».
كلمات الرئيس المختلفة، أظهرت ضغطًا نفسيًا يعاني منه منصور، نتيجة لعبء المسئولية الملقاة على عاتقه، مع علمه أن مصر تعيش ثورة جديدة، ومن نظرات عينيه تبين أنه يخشى الفشل ويخشى أن يخذل آمال 90 مليون مواطن ينظرون إليه على أنه المنقذ، فما بين عشية وضحاها أصبح رئيسًا لهم؛ وهذا أدعى أن يصاب بالتوتر والقلق الداخلي.
لكن عددًا من الأطباء النفسيين رأوه شخصًا يتمتع بخبرة حياتية كافية تجعله يتغلب على «قلقه بسهولة»، وما يفسر ذلك توجيهه تحية في أول خطاب له إلى الجميع «الشعب، الإعلام، الشرطة، الجيش»، ما جعله شخصًا يستطيع كسب ود الجميع وأيضًا لتوجيه رسالة تدل على احترامه للجميع.
ومن خلال مواقفه المختلفة على مدى عام كامل، أثبت الرئيس عدلي منصور أنه «شخص خلوق، كما يبدو على ملامح وجهه السماحة، ومقبول لدى الجميع، كما تميز بالوسطية، والمحافظة على حقوق الناس، الساعي لتوصيل رسالة لأبناء شعبه، "لن يظلم أحد.. كلنا أبناء وطن واحد"».
وفيما يخص الوصف الجسماني للرئيس عدلي منصور، حافظ الرئيس على كاريزما شكلية واسمية وجسمانية، فالكاريزما الاسمية تأتي من اسمه عدلي منصور، اسم موسيقي، والكاريزما الشكلية تأتي من ملامح وجهه الهادئ المعبر عن الاحترام أيضًا ولم يرفع صوته عاليًا، بالإضافة إلى أنه متوازن شكليًا ومهندم في زيه، أما عن الكاريزما الجسمانية فجسده متناسق و"طول بعرض"، فهو بالفعل ظل مشرفًا لمصر.
«رجال الاتحادية»
بسرعة البرق، رتب الرئيس الوافد إلى الاتحادية أوراق قصره الرئاسي، واضعًا يده على أسماء مستشاريه في كل التخصصات، فاختار الدكتور مصطفى سعد الدين حجازي، مستشارًا لرئيس الجمهورية للشئون الإستراتيجية، والمستشار على عوض محمد صالح للشئون الدستورية، والكاتبة سكينة فؤاد لشئون المرأة، واللواء محمد رأفت عبدالواحد شحاتة للشئون الأمنية، والصحفي أحمد محمد محمود المسلماني مستشارًا إعلاميًا.
كما أصدر الرئيس قرارات بتعيين اللواء محمد أحمد فريد التهامي رئيسًا للمخابرات العامة، وتم إعفاء محمد رفاعة الطهطاوي من منصب رئيس ديوان رئيس الجمهورية، وتكليف اللواء أركان حرب عبدالمؤمن فودة كبير الياوران، بأعمال رئيس ديوان رئيس الجمهورية.
أما الدكتور محمد البرادعي الذي عينه الرئيس منصور نائبًا له للشئون الخارجية، فتقدم باستقالته إلى رئيس الجمهورية المستشار عدلي منصور، رفضًا منه لفض اعتصام رابعة العدوية في 14 أغسطس 2014.
ولم تتوقف الاستقالة عند الدكتور البرادعي، بل امتدت إلى الدكتور عصام حجى، المستشار العلمى لرئيس الجمهورية، والذي تقدم باستقالته أيضًا بعد زيادة الهجوم عليه لاعتراضه على جهاز القوات المسلحة الخاص بعلاج مرضى فيروس سي، والذي وصفه بـ«الفضيحة».
- سكينة فؤاد.. اختارها منصور لتكمل مسيرتها داخل «الاتحادية» بعد «عزل مرسي»
- على عوض.. المستشار القانوني ورفيق «منصور» في «شارع المطبات الدستورية»
- البرادعى.. دخل القصر الجمهوري «نائبًا للرئيس» و«فض رابعة» أخرجه من مصر
- مصطفى شحاتة.. العقل المخابراتي الذي تولي «حماية المؤقت»
- مصطفى حجازى.. استعانت به الرئاسة للتواصل مع «الإعلام» وأزمته مع «المسلماني» أبعدته عن الأضواء
كوارث مبارك
يؤخذ على الرئيس منصور أن في عهده صدرت قرارات لم يستطع مبارك تمريرها، ففي الوقت الذي تم اتهام الكثيرين من رموز مبارك بتهم تتعلق بنفس الأمر، كان أبرزهم محمد إبراهيم سليمان، وزير الإسكان السابق، وأحمد شفيق، وتم إبطال العديد من العقود التي شابها الفساد بعد إسنادها بالأمر المباشر، ومن أبرزها عقد مدينة «مدينتي»، جاء الرئيس منصور ليصدر حزمة من القوانين التي تبيح البيع وإسناد المشاريع بالأمر المباشر.
ومن أبرز الانتقادات الموجهة للرئيس منصور، أن أزمة مبارك مع بيع القطاع العام وخصخصته المستمرة له، لم تدفع المستشار عدلي لمحاولة تغيير الواقع، بل اعتبر البعض أنه ربما يكون سببًا في فساد جديد مرتبط بقرار تحصين الحكومة، والذي أطلقه رئيس الوزراء إبراهيم محلب بتحصين العقود المبرمة بين الحكومة والمستثمرين لتحصن الحكومة نفسها وقرارها من الطعن.
ثم تعديل قانون الاستثمار، والذي يقصر حق رفع دعوى ببطلان بيع شركات القطاع العام على المستثمرين والحكومة فقط، بعد أن نجح العديد من العمال في استرداد شركاتهم المنهوبة.
«وعد.. فأوفى»
مع تعقد الأمور، حول شخص رئيس الجمهورية الثالثة، كانت كلمات الرئيس عدلي منصور واضحة «سأعود لمنصة القضاء عقب انتهاء المرحلة الانتقالية»، هذه الكلمات تمسك بها في حواره مع الصحف الكويتية، في 11 نوفمبر الماضي، واليوم ينفذ عهده.
في هذه التصريحات أيضًا، تمسك منصور بأنه لن يترشح لرئاسة الجمهورية، وينوي العودة إلى مقر عمله في المحكمة الدستورية، مشيرًا إلى أن القانون والدستور هما من فرض عليه أن يكون الرئيس المؤقت لمصر، وهو مواطن يحترم أحكام الدستور والقانون.
الآن... يودع الرئيس عدلي منصور قصر الاتحادية، وسط توقعات بأن ينتظره كثير من المناصب، ما بين عودته رئيسًا للمحكمة الدستورية، أو الاستفادة منه سياسيًا كرجل دولة من طراز فريد، فيما رشحته مجموعة ثالثة لرئاسة البرلمان المقبل الذي يحتاج إلى لغة من الضبط والتوازن والسلوك البرلماني الأصيل...
«منصور بلغة الأرقام»
ربما لا يكون المستشار عدلي منصور أول رئيس مؤقت في تاريخ مصر، فالدكتور صوفي أبو طالب، رئيس مجلس الشعب الأسبق، سبقه إلى الموقع نفسه بعد رحيل الرئيس الأسبق أنور السادات عام 1981، لكن المستشار عدلي، الذي يحمل «رقم 7» في قائمة الرؤساء المصريين، هو أول من يجمع بين منصبي رئيس الجمهورية ورئيس المحكمة الدستورية.
على مدى عام كامل من تواجده داخل مؤسسة الرئاسة، حافظ منصور على «استايل خاص له» كرئيس قليل الكلام بعد رئيس «عاشق للخطابات – أي المعزول محمد مرسي»، وسجل اسمه في التاريخ كأول رئيس يفتح باب الترشح على الرئاسة، وهو لا يزال «حيًا يُرزق» ودون أن يترشح للمنصب، ويتحدث كثيرون عن أنها سابقة في تاريخ مصر منذ عهد الفراعنة.
ومن المفارقات أن يشاء الله - سبحانه وتعالى - أن يصدر الرئيس المعزول محمد مرسي قرارًا بتعيينه رئيسًا للمحكمة الدستورية العليا خلفًا للمستشار ماهر البحيري، في 30 يونيو 2013، ليأتي منصور رئيسًا للبلاد في 4 يوليو الماضي بعد عزل من وقع على قرار تعيينه.
رئيس المحكمة الدستورية يحمل كذلك «الرقم 3» في قائمة الرؤساء «المدنيين»، بعد الرئيسين «الراحل صوفي أبو طالب» و«المعزول محمد مرسي»، بل إنه صار أول رئيس حمل في حياته صلاحيات «السلطات الثلاث: القضائية كرئيس للمحكمة الدستورية - والتشريعية بعد حل مجلس الشورى السابق (وغياب مجلس الشعب)، والتنفيذية كرئيس للجمهورية».
ولأن «منصور» يحتفظ بكثير من التسامح المغلف بالمسئولية، لم يتردد لحظة في زيارة الكاتدرائية بالعباسية كأول رئيس جمهورية يقوم بهذه الخطوة لتهنئة البابا بعيد الميلاد، وكان ذلك في 5 يناير 2014.
50 قرارًا بـ«الميزانية»
ظل الرئيس عدلي منصور، محافظًا على تربيته القضائية، خلال تواجده بالقصر الرئاسي، فكانت قراراته التي وصل عددها نحو 50 قرارًا جمهوريًا بـ«الميزان» ما بين قرارات سياسية واقتصادية.
ولعل أبرز القرارات الجمهورية التي أصدرها مرسي: «قرار تشكيل المجلس الأعلى للقوات المسلحة برئاسة وزير الدفاع، وزيادة راتب رئيس الجمهورية إلى 42 ألف جنيه، تعيين الدكتور حازم الببلاوي رئيسًا للوزراء، ثم تعيين المهندس إبراهيم محلب خلفًا للببلاوى ومنحه تفويضًا ببعض اختصاصات الرئيس».
ولا يغفل أحد قراره الجمهوري بترقية الفريق أول عبد الفتاح السيسي، وزير الدفاع، إلى رتبة المشير، ثم قراراته الأمنية كـ«إلغاء العفو عن العقوبة الذي أصدره المعزول محمد مرسي، وتشكيل مجلس للأمن القومي بعضوية 8 وزراء ورئيس المخابرات ومجلس النواب، تنظيم الحق في الاجتماعات العامة والمواكب والتظاهرات السلمية، وهو ما عرف بقانون التظاهر، قرار جمهوري بتشكيل لجنة لتعديل دستور 2012».
ولا يمكن نسيان قراره بإضافة 60.7 مليار جنيه من المساعدات العربية للموازنة العامة، وتفويض وزير الدفاع في شأن التعبئة العامة، والقرار الجمهوري الخاص بزيادة المعاشات بنسبة 10%، ثم تعديل قانون تنظيم الانتخابات الرئاسية، وتعيين الفريق أول صدقي صبحي وزيرًا للدفاع والفريق محمود حجازي رئيسًا للأركان.
«مطبات»
الشيء الذي لا جدال فيه أن الرؤساء ليسوا ملائكة، ومن هنا تبدو ثغرات في عام كامل للمستشار عدلي منصور «رئيسًا»، وهي أيضًا محل خلاف.
(فض رابعة)
ويأتي على رأس هذه الأمور، أن فض اعتصامي «رابعة والنهضة» تم في عهد الرئيس عدلي منصور.. ربما كانت الدولة في حاجة ماسة لإخلاء الميدانين من تجمعات الإخوان، إلا أن انتقادات دولية وجهت لمصر بعد سقوط ضحايا ومصابين، أثناء عملية الفض.
وفي تقرير المجلس القومي لحقوق الإنسان حول فض اعتصام رابعة العدوية، تحدث التقرير عن 632 قتيلا بينهم 624 مدنيًا و8 من الشرطة، وتم تشريح 377 منهم، فيما صدر تصريح بدفن البقية مباشرة.
لكن التقرير أشار إلى نقطة وطالب بأخرى، فقد تحدث عن أن الحكومة اضطرت لفض اعتصام رابعة لتحكم قوانينها على جزء من أراضيها، خصوصًا بعد 46 يومًا من محاولات التفاوض مع المعتصمين، كما أن عملية الفض جاءت بمعرفة من النيابة العامة، وفي الوقت نفسه، طالب التقرير بفتح تحقيق قضائي مستقل في أحداث الفض، والأحداث التي وقعت بعدها في المحافظات.
(قانون التظاهر)
في 24 نوفمبر الماضي، أقر الرئيس عدلي منصور قانون التظاهر الجديد، المعني بتنظيم الحق في الاجتماعات العامة والمواكب والتظاهرات السلمية، فاتحًا على نفسه موجات غضب شديدة من عدد من الأحزاب والحركات السياسية.