رئيس التحرير
عصام كامل

"المرأة المطلقة ومحكمة المجتمع"


تواجه المرأة المطلقة فى مجتمعاتنا تجارب قاسية، ومحناً أشدَّ من محنة طلاقها، فأطماع الرِّجال حولها ترشُقُها بسهامِها وعيوناً ترميها بنظراتٍ تهزمُها بِلَوْمِها، تُشْعِرها بعارِها وذُلِّها ومهانَتِها، وألسنةً تقذِفُها بشَرارِها، فتَصْليها عباراتُها بكلماتٍٍ كرصاص البَنادِق تخترق قلبها، فتوقِعُها صريعةً تلفظ آخر أنْفاسِها، وآخر ما تبقّى من كرامَتِها، وحرِّيتِها، وجمالِها، وإحساسِها بإنسانيَّتها.

فهى لم تكن تعتقد بأنَّ طلاقها أعظم من خسارة رجل، كانت تحلم بأن تعيش معه حياةً زوجيَّةً سعيدة، كأنَّها ارتكبت جريمة تُعاقِب عليها محكمة المجتمع، وعليها أن تتطهَّر منها ما تبقّى لها من سنوات عمرها، وتضمِّد جِراحٍَها فلا تَفْتَر تنزِفُ حتّى تَنْزِح عروقُها من دمائِها، كما تنزح البئر من مائِها، وتُلَمْلِمُ أوراق ذكرياتِها، فلا تستريحُ نَفْسُها من زََفَراتِِها وأوجاعها وأحزانها.
حُكِمَ عليها بأن تعيش النِّهاية وتَشْهَََد غروبَها، أيّاماً تُداوِلُها كئيبة، تراودها الخواطر كأَّنها كوابيس أحلامٍ مزعجة، تصيبها بالقلق والاكتئاب النَّفسى، فتفقد نشاطَها وحيويَّتَها وطاقَتها، وتفقد ملامِحُها نضارتَها، وتصير شاحبةً كشحوب أوراق الخريف قبل أوان الخريف، تتوهَّم أنَّ دورة حياتِها انقَضَت أيّامُها وساعاتُها، فتظلُّ تلهث بين آمالِها وآلامِها، تصارع لكى تعيش فلا تنسلَّ روحها من ضعفها.
فماذا تقول لمحكمةٍٍ أدانَتْها، وألقت بها فى زِنزانة المجتمع لتقاسى أبشع أنواع التَّعذيب النَّفسى والجسدى لأنَّها مطلقة؟
ماذا تقول ولا تملك فى جعبتها أجوبة براءتِها، فتظلُّ حبيسةً على أطراف لسانِها تمتماتٍٍ خرساء من عجزها؟
ماذا تقول والأصواتُ تعلو صرخاتٍ بداخِلها، تثورُ على ظلمِها وجورِها لحقوقِها؟
ماذا تقول وفى كلِّ يومٍ تفقد من ذاتِها، ونفسِها، ودمِها، وروحِها، وجسمها، وهويَّتِها، وتاريخِها، وآمالِها وأحلامها..؟
إنَّها لا تملك إلاّ أن تعيش معاناتها بمفردها، ولأنَّها المرأة عليها ألا تشتكى من حياتها، ولأنَّها الزوجة عليها أن تتحمَّل كل أخطاء زوجها وسلبيّاته، وكلَّ سَقَطاتِه وزلاّتِه، وكلَّ تقصيره وجفائه وقسوته، وكلََّ ما تكرهه من عاداتِه وطِباعِه، وتكثر حولها الإشاعات التى فى أغلبها قد لا تتعدّى أن تكون احتمالات وتأويلات تخالف الحقيقة، تسعى لتفرض الوصاية على تصرُّفاتها، أو نُدينَها ونتَّهِمَها فى أخلاقها، وشرفها، ودينها، لمجرَّد أنَّها أخطأت أو فشلت فى زواجها.
مع أن الفشل فى الزواج ووقوع الطلاق ليس قرارا صادراً عن فردٍ واحد، إنَّما عن شريكين يتحمَّلان معاًً مسئولية فشلهما بحياتِهما الزَّوجية، كما يتحمّلان أسباب انهيار علاقتهما معاً.
ولأنَّها الأم المربية عليها واجب التَّربية والرِّعاية لأطفالها، والتَّضحية لأجلهم براحتها وسعادتها، ولأنَّها السَّكن عليها أن تهب لبيتها الدِّفء والحنان والمودّة والرحمة..
وإنَّها بكلِّ حالاتها ليس من حقِّها أن تتخلّى عن واجبها ومسئوليتها، أو تملَّ من صبرها وكفاحها، وتطلب الطلاق، أو تكون سببًا من أسبابه، وإلاّ سيتَّهمها أهلها وأسرتها والناس بأنَّها ظالمةٌ لزوجِها، وبأنَّها إنسانةٌ سلبيَّة، لا تتحمَّل مسئوليَّة الزواج وأعبائِه وتبِعاتِه، أو هى لا تدركُ معانيه ومقاصده، أو لا تحسنُ تدبير شئون بيتها، وإدارة أسرتها وإسعاد زوجها.
الجريدة الرسمية