بذلك لن يجد الرئيس آلاف التظلمات
تستحق قضية «تطوير مؤسسة الرئاسة» أن تكون من أولى اهتمامات الرئيس عبد الفتاح السيسي في الأيام القادمة، خاصة في ظل ما مرت به مصر عامة في السنوات الثلاث الماضية، صحيح أننا شهدنا انضباطا كبيرا في أدائها خلال الفترة القصيرة التي قضاها الرئيس السابق عدلي منصور، إلا أنني أحلم بمزيد من التطوير لها، أحلم بترسيخ مفهوم المؤسسية، والعمل الجماعي، وتوفير آليات عمل تضمن حصول الرئيس على مشورات وتقارير تمكنه من الاطلاع على تقدير حقيقي للمواقف، وتمكنه من معرفة ميل واتجاه مزاج الشعب المصري وحاله في أرض الواقع، وتقدم له التحليلات والرؤى التي تعينه على اتخاذ القرار السليم سواء بالنسبة للقضايا الداخلية أو الخارجية.
ولا أقصد بمؤسسة الرئاسة فقط الفريق الرئاسي الذي سيتم اختياره في الفترة القادمة، وإنما أيضا مجمل المنظومة، بدءا من الموظفين في أول السلم الوظيفي بالقصر الجمهوري، ووصولا للمستشارين الكبار للرئيس، فهؤلاء نحن بحاجة ماسة إلى التأكد من أنهم على أعلى مستوى من الكفاءة والمهارة والأداء، وأنهم أيضا مزودون بكل ما يلزمهم من تقنية وأدوات تجعلهم أفضل المهيئين لأن يخرج من بينهم البطانة الصالحة، وأن يقدموا المشورة الصحيحة للرئيس، إن المهمة المنوطة بمنظومة الرئاسة تتعلق بمستقبل الشعب المصري كله، وكل فرد داخل هذه المنظومة مهما كان دوره صغيرا أو كبيرا؛ له تأثير خاص على مستقبل الوطن.
لعل الميزة الجوهرية التي يمتلكها الرئيس عبد الفتاح السيسي في ذلك أنه ابنٌ لمؤسسة لها تقاليدها وعراقتها في الانضباط والعمل بروح الفريق، في العمل المنظم وتوزيع الأدوار، بخلاف ما نراه في بعض الأماكن الأخرى، ففي الفترة الأخيرة غابت عن بعض مؤسسات الدولة روح المؤسسية، غابت قيم الانضباط والجِدِّية، ولا نجد مشاريع طويلة المدى، ولا تقديرات واقعية للمواقف أو مقترحات وعلاجات جذرية للمشكلات. ليحل بدلا من ذلك مفهوم رؤية الفرد، وبيروقراطية العمل، وانخفاض الجهد والإخلاص، وفق ما ألاحظه، وتلك الرؤية آمل أن يبدأ الرئيس في محاربتها، فيغرس مفهوم المؤسسية في منظومة الرئاسة، لتصبح مثلا يحتذى به في انضباط العمل، وفي شفافية الأداء، وفي تواصلها مع الرأي العام والجمهور، بحيث يشعر كل مواطن مصري أن الرئيس ومؤسسة الرئاسة قريبان منه وليسا بعيدين عن واقعه وهمومه وآلامه، وطموحاته أيضا.
إن تم هذا فسيكون منارة إشعاع لباقي مؤسسات الدولة لكي تبدأ جميعها في معالجة الكثير من سلبياتها، واستعادة انضباطها وجديتها وتشجيع أفرادها على العمل بروح الفريق والأهم: تشجيعهم على الاستجابة لمشكلات المواطنين وحلها، فلا تصبح المشكلات الصغيرة بحاجة إلى تدخلات كبيرة من مسئولين كبار حتى يأتي الحل لها، حتى لا يجد الرئيس نفسه أمام آلاف التظلمات من مواطنين كان يمكن حل مشكلتهم بجرة قلم من مسئول بالحي أو مدير إدارة أو وكيل وزارة أو حتى وزير. المؤسسية والجدية والانضباط والإخلاص والاهتمام بمشاكل الناس مهما كانوا بسطاء أو فقراء، وعدم انتظار قرارات مسئولين كبار من أجل رفع المعاناة عن الناس طالما أن القانون يسمح باتخاذ الإجراءات اللازمة؛ تلك الأشياء يمكنها أن ترفع عن الناس آلاف التظلمات التي قد يضطرون لأن يرفعوها لرئيس الجمهورية في حالة عدم الاستجابة لهم.