البرلمان.. وأزمة المساكين !
كشفت الانتخابات الرئاسية الأخيرة عن ضعف شديد في الحياة السياسية الحزبية يصل إلى حد الكارثة في بلد عرف التجربة الحزبية منذ بدايات القرن العشرين ووصلت ذروتها في منتصف القرن الماضي وحتى قيام ثورة يوليو 52 إلى أن عادت من جديد في منتصف سبعينيات القرن الماضي مع منابر السادات ثم الأحزاب ووصلت إلى ما يقرب من 25 حزبًا معلنًا وتحت التأسيس قبل 25 يناير 2011، وفي خلال 3 سنوات وصل العدد إلى أكثر من 90 حزبًا سياسيًا.
بالإضافة لعدد لا حصر له من الحركات السياسية والائتلافات الثورية شكلت جميعها حالة سياسية وصفها خبراء السياسة والمتخصصون في شئون الأحزاب بأنها ظاهرة كلامية سوف تتقلص بمضي الوقت لتنضج لنا حياة سياسية حزبية فاعلة، لكن ذلك لم يحدث !! فلم يقدم حزب واحد قديم كان أو حديث نشأ مع الثورة وتداعياتها برنامجاً واضحاً أو كون قواعد حزبية نشطة في الشارع السياسي يمكن لها التأثير في الرأي العام وتوجيهه للالتفاف حوله وانتهاج نهجه، ويبدو أن قضية الأحزاب ستبحث دائماً عن شماعة تعلق عليها فشلها، وسيكون الشغل الشاغل لقيادات هذه الأحزاب هو تغيير نوع الشماعة فقط خشب أو بلاستيك أو معدن !!.
لا تسمع شيئا عن الأحزاب إلا في أوقات الانتخابات – خصوصًا الانتخابات النيابية – فتجدهم يتكلمون ويختلفون ويتفقون من أجل الفوز والحصول على مقاعد البرلمان لتحقيق مصالح ذاتية أولاً، وإن تبقى شيء للوطن فذلك ونعم !! لم نضبط حزباً سياسياً يسعى للوصول إلى سدة الحكم بشكل حقيقي أو ينافس على مقعد الرئاسة منافسة قوية !!
كلهم يباركون ويؤيدون مرشح رئاسي من خارج أحزابهم.. يعولون عليه ويضعون مشاكلهم فوق كاهله، والحقيقة أن ذلك لم يأت من فراغ، لأنه حتى الآن لا يستطيع حزب أو حركة أو ائتلاف تقديم مرشح رئاسي بسبب ضعف تواجده في الشارع وبسبب فقدان الثقة في الحياة الحزبية التي لم تقدم حتى الآن نموذجا يحتذي، ولعلنا تابعنا وتأكدنا من حالة الضعف الشديد التي تعاني منها الأحزاب السياسية والحركات الثورية في نموذج تأييد المرشح الرئاسي صباحي في الانتخابات الرئاسية بحيث لم يحقق بعد كل هذا التأييد سوي هذا الرقم الهزيل الذي حصل عليه بما يعني غياب هذه الأحزاب عن الشارع وهشاشة هذه الحركات والتيارات الشعبية التي يعلو صوتها كثيرا وهي في الواقع كغثاء السيل !!
ولأن الاستحقاق الثالث من خارطة الطريق على الأبواب وهو مجلس النواب فإن الأزمة تشتعل حول قانون البرلمان الذي سيشكل السلطة التشريعية لتكتمل مؤسسات الدولة المصرية، ورغم أن غالبية الشعب يريد انتخابات بنظام الفردي الذي تعود عليه والذي يتواءم مع ثقافته وطبيعته فإن الانقسام حول النظام الفردي ونظام القائمة هو سيد الموقف وتوضيح الفرق بين الفردي والقائمة يعرفه الجميع، فبينما تري بعض الأحزاب أن نظام الفردي هو الأنسب للبرلمان القادم لانسجامه مع طبيعة الشعب المصري وقربه من قدرتهم على الاختيار، تري أحزاب أخرى أن نظام القائمة النسبية هو الأفضل لأنه يقوي الأحزاب ويعطيها فرصة الحصول على مقاعد في البرلمان، وترى أحزاب أخرى أيضاً أن النظام المختلط يحقق الفرصة للرأيين الآخرين، والخلاف مازال قائماً وسيظل.
والحقيقة أن كل منهم يبكي على ليلاه، وأن آخر ما تبكي عليه الأحزاب هو الوطن، ورغم ذلك هناك وجاهة في كل الآراء المطروحة فالنظام الفردي يمنع تسلل نواب من الجماعة المحظورة وتيار الإسلام السياسي الذي يخلط الدين بالسياسة خلطاً واضحاً وعن جهل شديد، وعيبه الوحيد هو استخدامه المال السياسي بكثرة، وقد تمرس الشعب المصري على رفض ذلك وانتخابات الرئاسة دليل واضح وجلي على تقدم الوعي عند الناخب، بينما نظام القائمة وإن كان يحقق مكسب للأحزاب في الحصول على نسبة من مقاعد البرلمان تقوي بها دورها في الشارع السياسي إلا أن الخطر قائم في تسلل عناصر الإخوان وغيرهم ممن رفضهم الشعب وثار عليهم، كما أن فرصة نزول المال السياسي قائمة بنفس القدر لأن معظم الأحزاب في النهاية هي أحزاب صفوة من رجال المال والأعمال الذين يتخذون الأحزاب والعمل السياسي غطاء لهم !!.
الخلاصة أن الواقع الحزبي في مصر يدعو للرثاء وهم جميعا مساكين يبحثون عن صوت يعينهم على الاستمرار في اللعبة السياسية عن طريق الاستجداء وليس العمل وتكوين القواعد والسعي الدءوب للوصول للسلطة، ويظل مثال الانتخابات الرئاسية شاخصا أمام الجميع وأمام أنفسهم حيث فشلوا في حشد أعضائهم ومؤيديهم للمرشح الذي اختاروه وقرروا دعمه !!.
تبقى الكرة في النهاية في ملعب الشعب الذي عليه أن يختار بوعي نواب البرلمان القادم كما اختار رئيسه للمرحلة المقبلة.