رئيس التحرير
عصام كامل

ارحمونا.. وكفاية نصائح !


فجأة تحولت النخبة المصرية إلى ناصح أمين وإلي مصلحين اجتماعيين فخرجوا جميعا يتحدثون عبر كل وسائل الإعلام المختلفة المسموعة والمقروءة والمرئية، وتمددوا على مساحة واسعة في الفضاء الإلكتروني من خلال شبكة التواصل الاجتماعي يصولون ويجولون ويرفعون رايات الحكمة ويبدون الخوف الشديد على الرئيس الفائز من خطورة الأوضاع وثقل المسئولية وكثافة المشاكل وعمقها لذلك – ولوجه الله فقط وللوطن – فهم يقدمون النصح والإرشاد للرئيس حتى ينعكس ذلك على مصلحة البلاد والعباد.. وسبحان الله مقلب القلوب الذي يغير ولا يتغير !

البعض من هذه النخبة كان إلى وقت قريب يرفض بشكل قاطع وحاسم أي مرشح للرئاسة من المؤسسة العسكرية أو أن يكون له خلفية عسكرية لأن الفقه الذي تربي عليه أو شربه كالدواء رسخ في ذهنه وعقيدته أن المؤسسة العسكرية هي وجه الاستبداد والديكتاتورية، وهي القمع والقتل والسجن، لكن عندما جاءت الإرادة الشعبية بمرشح رئاسي بخلفية عسكرية قرر هذا البعض تعديل مساره وضبط بوصلته حتى لا يخرج عن صف الإرادة الشعبية التي يتحدث عنها ليل نهار وحتى لا يبدو متناقضا في مواقفه فتتعرض مصالحه للخطر !! 

البعض الثاني من هذه النخبة قرر أن يحافظ على وجوده في المشهد السياسي ويبدو حريصا على الوطن وجزء من صورة الإرادة الشعبية التي استدعت مرشحها ليكون رئيسا للبلاد في هذه المرحلة الصعبة والدقيقة في عمر هذا الوطن فقرر تقديم النصيحة للرئيس بأن يفعل كذا ولا يفعل كذا، وزادونا أبياتا أخرى من القصيدة فتحدثوا عن الفريق الرئاسي وعن اختياراته الشخصية لهم، ونصحوه بعدم التعامل مع هؤلاء وهؤلاء، وتجاوز بعضهم في النصح فطلب منه أن يتنازل عن راتبه حتى يكون قدوة لغيره ومثلا في التقشف، وأن يبيع طائرة الرئاسة ويركب طائرات مصر للطيران مع الناس، ويبيع السيارات المرسيدس التي يركبها ويقلل من حراسته التي تتكلف كثيرا.. !! وهذا الناصح يعمل براتب كبير ويركب السيارة الفارهة، و.. و.. !! 

البعض الثالث من هذه النخبة هم بعض الإعلاميين الذين انفجروا مثل مواسير الصرف الصحي ولبسوا ثوب الحكمة والفهم وتباروا فيما بينهم.. من يتحدث للرئيس ناصحا وموجها، ومن يبدو أو هكذا يريد أن يبدو مقربا من الرئيس وأن كلامه مسموع ومعظم هؤلاء كانوا عبئا ثقيلا على الرئيس في معركته الانتخابية فلم يتمكنوا من قراءة المشهد جيدا ولم يدركوا الحالة الشعبية التي فرضت نفسها طواعية على المشهد السياسي منذ 30 يونيو، ولم يعرفوا أن حجم تأثيرهم كان ضعيفا جدا على الناس في هذه المعركة فاختلت عجلة القيادة من بين أيديهم وسببوا حالة من الارتباك في المشهد الذي كان يسير بشكل طبيعي وجيد !!

البعض الرابع من هذه النخبة هم هؤلاء الذين قرروا تخويف الرئيس وتحذيره وإحباطه في رسائل نصح مبطنة !! افعل كذا وإلا.. وافعل كذا حتى لا يخرج عليك الناس.. ونحن نحذر من غضب شعبي.. وسقف المطالب كبير ولن تستطيع تحقيقه إلا إذا فعلت كذا وكذا، ولا تقترب من هذا أو ذاك !! وغير ذلك من نصائح الشيطان التي تورد المرء موارد الهلاك.. مثل هؤلاء لم يرد على خاطرهم أن يحقق غالبية الشعب ما يريد ويأتي برئيس يري فيه الصدق والجدية في العمل والرغبة في العبور بالبلاد إلى أفق جديد، وهؤلاء أيضا فشلوا في قراءة الشعب المصري القراءة الصحيحة لذلك جاءت نصائحهم على استحياء مبطنة بنوايا غير طيبة للرجل والوطن.

الجميع على مختلف الأصعدة والتوجهات ينصحون الرئيس الجديد – والله أعلم بالنوايا – والجميع يبدون وكأنهم في خندق واحد وهذا غير صحيح.. لكن لم نضبط منهم أحدا متلبسا بتقديم نصيحة لمن يعملون ضد مرحلة البناء، ولم نلحظ معني في جملة لأحد منهم تدعو الناس للعمل والاجتهاد فيه، ولم تصدر منهم كلمة تدعو للتفاؤل أو رغبة في تصحيح مفاهيم أربكت الناس في قضايا كثيرة !! كل ناصح منهم يسعي لإيجاد مكان له في الصورة، ومنهم من يحاول جاهدا غسل يديه وتطهير نفسه وجسده من أدران وخطايا سابقة !! 

ارحمونا وكفاكم نصحا للرئيس.. مصر تحتاج عملا مضنيا من الجميع لأن هذا قدرنا.. وتحتاج مصر أن نغير السؤال للناس ماذا أنتم فاعلون لمصر وماذا تقدمون من عون للرئيس حتى نجتاز المرحلة الصعبة بدلا من ماذا تطلب من الرئيس وماذا تريد من الرئيس أن يفعل؟ الرئيس لن يحقق شيئا بدون الشعب، والوطن لن ينجو إلا بالرئيس والشعب معا.. ولله الأمر من قبل ومن بعد.
الجريدة الرسمية