رئيس التحرير
عصام كامل

ثورة الحسين.. حماد: أول ثائر في التاريخ الإسلامي.. كريمة: ثورته مشروعة ضد فساد بني أمية.. عطا: ثار مثل شباب 25 يناير ضد التوريث.. فؤاد: كربلاء تشبه ميدان التحرير

الحسين بن على بن
الحسين بن على بن أبى طالب

بدأت ثورات الربيع العربى في القرن الأول الهجرى عام 61 هـ، بقيادة الحسين بن على بن أبى طالب –رضى الله عنهما– ضد استبداد وجور حكم بنى أمية، خاصة بعد أن أوصى معاوية بن أبى سفيان بالخلافة من بعده لابنه يزيد، فاندلعت ثورة الحسين ضد مبدأ التوريث الذي لم يقل به النبى صلى الله عليه وسلم أو خلفاؤه الراشدون، فضرب مثلًا للثورة على الحاكم المستبد منذ ذاك الوقت، إلى أن اندلعت ثوراتنا العربية في القرن الرابع عشر هجريًا –القرن الواحد والعشرين ميلاديًا– ضد توريث الحكم ومناهضة الاستبداد.


ومن هنا تبرز عدة تساؤلات منها: ما القواسم المشتركة بين الثورتين رغم اختلاف زمنيهما ؟ وكيف تشابهت الظروف التاريخية لثورة الحسين- رضى الله عنه - وثورات الربيع العربى ؟ وهل يعد خروج الحسين -رضى الله عنه- على حكم الخليفة ضد مبادئ الشريعة الإسلامية، خاصة مع عدم إباحة الخروج على الحاكم ؟

أول ثائر
الدكتور مدحت حماد -أستاذ العلوم السياسية بجامعة طنطا– قال: إن «الحسين بن على بن أبي طالب رضى الله عنهما» هو أول ثائر مسلم على حاكم في التاريخ الإسلامى كله، فما قام به الحسين ضد يزيد بن معاوية كان بمثابة النواة التي أسست لحالة الثورية في التاريخ الإسلامى، موضحًا أن الظرف التاريخى الذي حدثت فيه ثورة 25 يناير يتشابه كثيرًا مع الظرف التاريخى الذي خرج فيه الحسين بن على للثورة على يزيد بن معاوية، الذي ورث الحكم ظلمًا عن أبيه، كما حدث في مصر مخطط لتوريث الحكم وأيضًا كان حكمًا ظالمًا، فضلًا عن وجود إهدار لإرادة الأمة الإسلامة نتيجة لقيام معاوية باختيار ابنه خليفة له، وهو ما كان سيحدث في مصر، إذ كان سيتم إهدار حق المصريين جميعًا في اختيار رئيسهم من خلال عملية التوريث الممنهجة.

وأضاف: هذا ما يعد قاسمًا مشتركًا بين الثورتين، كما أن «يزيد» كان ظالمًا ومستخدمًا للعنف مع المسلمين في عصره، والنظام السابق –عهد مبارك- أيضًا كان مدانًا بنفس هذه التهم الثلاث.. وأنه منذ تلك الكارثة –كربلاء- أصبح الحسين بن على يمثل رائدًا ورمزًا للثورة ضد أي حاكم إسلامى، وبالتالى أصبحت قصة استشهاد الحسين في مواجهة الحاكم الظالم نوعًا من الاستدلال على وجوب الخروج العسكري على الحاكم الإسلامى إذا ما ثبت ظلمه.. ومنذ ذلك الوقت انقسم العالم الإسلامى إلى شيعة وسنة وكان هذا الانقسام سياسيًا وليس دينيًا بين شيعة يناصرون الحسن والحسين سياسيًا وبين بقية المسلمين الذين لا يرون ما يرونه أهل الشيعة بأن أهل البيت هم خلفاء الرسول.

ثورة مشروعة
وعن الموقف الشرعى لخروج الحسين –رضى الله عنه– على خلافة بنى أمية يقول الدكتور أحمد كريمة -أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر: إن ثورة الحسين مشروعة وليست خروجًا على الحاكم، لأنه الأحق لكفاءته وحسبه ونسبه يضاف إلى ذلك المفاسد الكبرى التي ارتكبها بنو أمية ورغبة عارمة لا يستهان بها من الأمة في القيام بتلك الثورة، فهو رأى أن بنى أمية قد جاروا في الحكم وظلموا الناس وحولوا الخلافة من عمل دينى لخدمة الدعوة الإسلامية إلى ملك عضوض يتوارثونه وجعلوا عاصمة الدولة الإسلامية في دمشق، بدلًا من الحرمين الشريفين في مكة والمدينة وأنهم أذاقوا الناس صنوف العذاب بجانب أن بنى أمية بعد سيدنا معاوية رضى الله عنه ارتكبوا من الموبقات ما لا يتفق مع مكانة الحاكم فمن هنا لما وجد جمهرة كبيرة لا يستهان بها من الناس تدعوه للمطالبة بحقه في الخلافة ثار على يزيد وبهذا يعد ثائرًا حقًا.

مقاومة التوريث
كما يؤكد الدكتور عبد الخبير محمود عطا -أستاذ العلوم السياسية والإدارة العامة جامعة أسيوط– أن هناك قواسم مشتركة بين ثورة 25 يناير وثورة الحسين بن على منها الإصرار على استرداد الكرامة ومقاومة التوريث - فبنو أمية حولوا نظام الشورى في اختيار الخليفة إلى نظام ولاية العهد وبدأت حركة التوريث، مثلما حدث في عهد مبارك، واجتمع بين الثورتين عزم الشباب ووضوح الرؤيا ومساندة الجميع، فشباب ثورة 25 يناير كان لديهم وعى بحاضرهم لا يتخلون عنه ببذل التضحية لاسترداد الكرامة.

الدكتور هاشم عبدالراضى، أستاذ التاريخ الإسلامي بجامعة القاهرة يؤكد أنه بعد مقتل على بن أبى طالب وقعت الأمة في فراغ سياسي، هذا الفراغ يعد أخطر الأمور على أمنها، وتداركًا لهذا الفراغ السياسي، بايعوا الحسن بن على للخلافة، وهذا لم يرض معاوية، ولذلك بحث عن مبررات ليصل إلى الحكم بشتى الطرق وشعر بذلك الحسن لذلك تنازل عن الخلافة لعدم إهدار الدماء، فأعطى الفرصة لوصول معاوية إلى السلطة– بالتغلب والقهر، ولذلك أدخل بعض رجال السياسة القهر والتغلب في بناء الدول، ولكن كأمر واقع، وعندما وصل -معاوية- للسلطة بويع للخلافة فكانت بيعة إذعان وليست بيعة اختيار، فبيعة الاختيار تكون مع الحرية لكن بيعة الاذعان تكون على القهر والتغلب، وارتضى الناس قبول الأمر الواقع وفى قلوبهم غصة، ولكن جاءت الطامة الكبري عندما أشار بعض معاونى معاوية عليه بأن ينص على اختيار ابنه يزيد للخلافة من بعده عام 56 هـ، طوال فترة خلافة معاوية لم يناد مرة بدم عثمان ومنذ أن اعتلى عرش السلطة عام 41 هـ إلى أن توفى عام 60 هـ لم تذكر لنا كتب التاريخ قاطبة أن معاوية أدرج على جدول أعماله القصاص لعثمان، فهذا الملف طوى كليًا عندما أصبح ولى الأمر، فضلًا عما كان يزعمه بأنه ابن عمه وأنه ولى دم عثمان من قرابة ومن ولاية لذا ثار الحسين لنصرة الحق.

سنة كسرى ويوضح الدكتور عطية القوصى -أستاذ التاريخ الإسلامي بكلية الآداب جامعة القاهرة– أن معاوية بن أبي سفيان هو أول من أدخل في الإسلام سنة كسرى وقيصر «في التوريث»، وكانت هذه بداية المشكلة السياسية للتاريخ الإسلامي ككل بأنه ابتدع واستحدث في النظام السياسي والاسلامى ما لم يكن موجودًا وما لم يقبله أحد، خاصة مع ترسيخ الخلفاء الراشدين لمبدأ الشورى في الحكم، كما أمر الرسول صلى الله عليه وسلم. وإذا كان الحسين اعترف بمعاوية بن أبى سفيان خليفة بعد مقتل على بن أبى طالب وانتقال الخلافة إلى الأمويين، فكان ذلك عائدًا إلى شخصية وقوة معاوية وقدرته السياسية على تيسير الأمور إلى جانب أنه أحد رجال رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن عندما مات معاوية عام 60هـ لم يرض الحسين بخلافة يزيد لأنه ليس الأصلح مع وجود عدد من أبناء الصحابة والجيل الثانى من أصحاب رسول الله مثل الحسين بن على وعبدالله بن الزبير وعبدالله بن عمر وعبدالله بن العباس وغيرهم، فكان لابد أن يختار أفضلهم وكان عليه أن ينأى بنفسه وألا يختار ابنه.

وأكد القوصى أن الحسين ثار ضد الاستبداد الأموى لأنهم استبدوا في الحكم وانتزعوا الملك وانحازوا عن الشورى التي أمر بها الرسول صلى الله عليه وسلم، ولقد رأى الحسين في نفسه أنه أحق بالخلافة من يزيد خاصة مع مراسلة أهل الكوفة له، وتشجيعهم وإقرارهم بمبايعته للخلافة ومساندته ضد حكم بنى أمية واستبدادهم، فكان ذلك ما شجع الحسين على أن يناطح يزيد. 

وكان ذلك اعتراضًا وثورة على صنيع معاوية وليس للمطالبة بشيء لأنفسهم والدليل أن الحسين خرج في عدد قليل من أهل بيته ولم يحرص على جمع عدد كبير من الناس كقوة تردع جيش يزيد المجهز بالرجال والسلاح.

ميدان كربلاء
ويقارن الدكتور أيمن فؤاد سيد، أستاذ التاريخ الإسلامي بجامعة الأزهر بين ثورة الحسين وثورة ٢٥ يناير قائلا: إنه كما ثبت ثوار 25 يناير في ميدان التحرير، رغم القتلي الذين سقطوا والتهديد لهم إلا أنهم لم يرضخوا للظلم والتهديد، فقد حدث هذا في كربلاء مع الحسين رضى الله عنه وأهل بيته بعد أن خرج من مكة يوم التروية– اليوم الذي يسبق الوقوف بعرفة- قاصدًا العراق، ولما وصل وسمع بمقتل مسلم بن عقيل على يد عبدالله بن زياد –والي الكوفة– قال خذلتنا شيعتنا، وصرخ فيمن معه قائلا: «أيها الناس من أحب أن ينصرف فلينصرف ليس عليه منا ذم أو لوم»، فتفرق الأعراب عنه يمينًا وشمالا، ولم يعد معه سوى أهله وخدمه الذين خرجوا معه من مكة، وعندما أراد العودة إلى مكة فوجئ بجيش ابن زياد ويعترض طريقة وظل الحسين وأهله في كربلاء، حتى أرسل ابن زياد كتابا للحسين بأن يرضى ويقر بخلافة يزيد بن معاوية، ولكن الحسين رفض ذلك، فأمر ابن زياد بمنعه وأهله من شرب الماء، حتى أنه ظل ثلاثة أيام قبل استشهاده عطشًا، وبرز جيش ابن زياد له بالقتال، حتى استشهد يوم الجمعة – العاشر من محرم سنة 60هـ، حيث تلقى 33 طعنة و44 ضربة، وتم قطع رأسه والطواف به معلقًا على خشبة في الكوفة ثم أرسل ليزيد بن معاوية في دمشق، أما جسده فقد دفن بعد استشهاده بيوم واحد في منطقة الغاضرية.
الجريدة الرسمية