حق الحلم...
"مش من حقى أحلم يا أستاذ".. هذه كانت إجابة الطفل عمر صلاح عندما سأله أحد الشباب عن حلمه، والحقيقة أن إجابة عمر هذه تنقلنا إلى فئة جديدة من الحقوق لم تتعارف عليها بعد المواثيق العالمية لحقوق الإنسان، وهى حق الحلم، فقد تضمنت مواثيق حقوق الإنسان العالمية العديد من الحقوق وظلت ترسخها منذ سنوات طويلة، مثل حق الحياة وحق الأمن وحق التعليم وغيرها من الحقوق الأخرى، إلى أن جاء الطفل المصرى ليضيف حقا جديدا، وهو حق الحلم.
والحقيقة أنه عند المقارنة بين هذه الإجابة وبين ظروف عمر المأسوية، نجد أنها إجابة منطقية تعكس هذه الظروف، فما الذى يدفع عمر لكى يحلم؟ وما هى المقومات التى تجعله يرسم لنفسه حلما يسعى لتحقيقه؟
فعند تأمل قصة عمر نجد أنها تعبر عن حال آلاف الأطفال فى مصر، فعمر يجسد صورة واقعية لأطفال الشوارع، والباعة الجائلين ومثيرى الشغب الذين ظنوا فى يوم أن الثورة على نظام مبارك سوف تعيد إليهم حقوقهم المسلوبة، وترسم لهم مستقبلا جديدا خاليا من الفقر والظلم، إلا أنهم صُدموا باستمرار اضطهادهم وتهميشهم، فانضموا إلى عالم الثورة، آملين فى تغيير أوضاعهم للأفضل.
فقد شاهدنا جميعا بعد الثورة -وتحديدا منذ بداية أحداث محمد محمود- ظاهرة انضمام أطفال الشوارع إلى جميع المظاهرات الاحتجاجية، وتواجدهم فى الصفوف الأمامية مواجهين قوات الداخلية بإلقاء الحجارة، مالكين استعدادا وقابلية غير عادية للموت فى مشهد يبدون فيه غير آسفين على حياتهم التى يروها بلا جدوى، فهم يلجأون إلى العنف -فى بعض الأحيان- معبرين عن عقيدة بداخلهم تتمثل فى الانتقام من كل طرف شارك فى وصولهم إلى هذه المأساة سواء كانت السلطة أو حتى الشعب.
فعند تحليل موقف كل من السلطة والشعب تجاه هؤلاء الأطفال، نجد أن كلا منهما قد شارك -وبصورة كبيرة- فى الوضع الذى وصلوا إليه، فكلا منهما يلجأ دائما إلى أسلوب المواجهة وليس الاحتواء، فمن ناحية السلطة بدلا من أن تعمل على حل مشاكلهم واحتوائهم، اتجهت إلى استخدام العنف معهم، مبررة هذا العنف بكونهم بلطجية.
أما بالنسبة للشعب فقد انصاعت فئة كبيرة منه لتبريرات الدولة لاستخدام العنف معهم، بل وقامت بإعطائهم غطاءً يسمح لهم بمواصلة استخدام هذا العنف، ولجأ كثير منهم إلى التبرؤ من هؤلاء الأطفال، ورفض أى مظاهرة ينضمون إليها!، مستكترين عليهم التعبير عن مأساتهم، وإذا سقط منهم شهيد، تبدأ تلك الفئة من الشعب فى استعراض صوره التى تبدو عليها ملامح القهر والفقر، وتحكم عليه بكونه بلطجى ولا يستحق لقب الشهيد، والحقيقة أن التفكير بهذه الطريقة قد أصبح وللأسف بمثابة عقيدة مرسخة لدى الشعب حتى المعارض للسلطة، ولعل مشهد مقتل محمد الجندى خير دليل على ذلك، حيث كانت الوسيلة الوحيدة –حتى من قبل أهله- لرفض قتله هى الترويج لمستوى تعليمه العالى، ووظيفته المرموقة، وصوره الملتقطة فى عدد من الدول الأوربية، وليس لأنه مواطن –أيا كانت هيئته أو مستوى تعليمه- لا يجوز تعذيبه أو قتله!!
وبالتالى فعمر وغيره من الأطفال، هم ضحية سلطة وشعب معا، فعمر لم يقتل عندما أطلق عليه عسكرى الجيش الرصاص فقط بل قُتل قبل ذلك مرات عديدة، قُتل حينما حُرم من حقه فى التعليم، وقُتل حينما عمل بائعا للبطاطا وهو فى التاسعة من عمره، وقُتل حينما حكم على أبيه بالموت وهو حى كى يكسب تعاطف الناس معه، وقُتل وقتلنا جميعا حينما اقر بعد أحقيته فى أن يحلم.