رئيس التحرير
عصام كامل

الموهوم


أسوأ أنواع الكتابة في الصحافة، ما اتصل منها بحرف اسمه لو، وأسوأ أنواع التفكير ما بنى واقعًا على وهم، أو كما نقول شيد قصورا من رمال البحر.. والسياسي المحترف هو من يرفض الرد على أسئلة افتراضية، هو يتعامل مع الواقع، وليس التخيلات والتمنيات.. أقول هذا بمناسبة ما ظهر به علينا الإعلامي شريف عامر، فيما سماه المناظرة الافتراضية بين المشير السيسي والزميل حمدين صباحي.



في البداية، أؤكد إعجابي بأداء شريف عامر الرزين المنصت، وبخاصة حين كان مع لبنى عسل.. فاجأنا شريف بإقامة مناظرة كرتونية، استعان فيها بالكتابة وبالأصوات وبالفوتوشوب، فقد وضع صورتي المرشحين المتنافسين أمام منصتين، وقف هو بينهما..

كان شريف الشخص الوحيد الحقيقي، بينما ضيفاه من اختراعه! حسنا لم كل هذه المشقة ؟ المعروف أن الظروف الأمنية القهرية تحول دون الالتحام الجماهيري المباشر بين المشير والملايين التي طالما دعته لينزل إلى سباق الرئاسة، ولقد استجاب، وهو مستهدف من الخونة والإرهابيين، بينما المرشح الثاني يعيش أسعد أيام حياته، لأنه يمارس متعة الحنجوري، وتلبس هيئة عبد الناصر، واستدعاء مفرداته! لم أقتنع بالمشهد الافتراضي، لأن الافتراض هو تدبير أقصى ما يمكن ليحل محل الواقع، وما دمت عاجزا عن إحلال الواقع، فلا تختلق إلا على شاشة، أو في رواية.

في عالم الأدب وعالم السينما، أنت تذهب إلى الخيال والوهم بمحض إرادتك، بل تدفع ثمن التذكرة، وأنت تعرف أن الأحداث على الشاشة تمثيل على شريط مصور مسجل ناطق، غير مفهوم، الحقيقة ولع بعض الإعلاميين بإجراء المناظرات، إلا أن يكون اقتداءً بالمنظر الإعلامي الغربي.

كشفت المناظرة بين عمرو موسى وعبد المنعم أبو الفتوح الإخواني، عن خسارة لكل منهما، ومن الجائز القول إن المناظرة عندنا تعني الفرجة على تمزيق تاريخ وعقل المتناظرين، أكثر مما تعني الأناقة العقلية بين رجلين يتبارزان بالأفكار في فروسية.. صراع الديكة بالأمواس الحادة هو آخر ما نحتاجه، فلماذا نخترع ما لا نحبه أو يمكن الاستغناء عنه.. الحاجة أم الاختراع، ولم يقل أحد قط "إن الفذلكة أم الضرورة".

الجريدة الرسمية