رئيس التحرير
عصام كامل

اتهام الشرطة التونسية بتلفيق تهم حيازة المخدرات للمعارضة

فيتو

تواجه الشرطة التونسية اتهامات باستعمال تهم استهلاك الحشيش التي تصل عقوبتها إلى السجن 5 سنوات نافذة، لاصطياد الأصوات المنتقدة، في حين يطالب حقوقيون بالتخفيف من عقوبات هذه "الجريمة".

يصرّ خالد عمامي والد المدون التونسي الشهير عزيز عمامي الذي سيمثل يوم 23 مايو 2014 أمام القضاء بتهمة حيازة واستهلاك الحشيش، على أن ابنه لا يستهلك الحشيش وأن الشرطة لفقت له هذه التهمة على خلفية انتقاده لها مؤخرا.

وقال عمامي لـDW عربية إن "الشرطة بقيت تترصد ابنه طوال أسبوع كامل قبل أن تعتقله يوم 12 مايو 2014 عندما كان داخل سيارة مع صديق له، وتوجه له تهمة استهلاك الحشيش"، حسب قوله.

واللافت في هذه القضية، أن إلقاء القبض على المدون عزيز عمامي جاء بعد أيام من اتهامه الشرطة التونسية بتلفيق تهم استهلاك الحشيش لـ"شباب الثورة" من أجل "إخماد أصواتهم"، وإثر إيقافه، كتب المدون على حسابه في تويتر "ليس لي رخصة قيادة ولا أموال، ولست شرطياً حتى أحمل معي 700 جرام من الزطلة (الحشيش)".

"الحشيش لاصطياد المنتقدين"

نهاية أبريل 2014 أعلن عزيز عمامي، خلال مشاركته في برنامج بثه تليفزيون محلي، أن السلطات "أفرغت" المدن الكبرى في البلاد من "شباب الثورة" بعد الزج بهم في السجون بتهمة استهلاك "الزطلة" (الحشيش).

وبحسب هذا المدون، فإن الشرطة "أصبحت ماسكة" بتجارة الحشيش في تونس، وتقوم (وفق تعبيره) بـ"مراقبة" و"اصطياد" الشباب وإدخالهم السجن بتهمة استهلاك هذه المادة المخدرة.

وليست هذه المرة الأولى التي تواجه فيها شرطة تونس مثل هذه الاتهامات، فقد وُجهت لمغني الراب الشهير "ولد الكانز" في أغنيته "البوليسية كلاب" التي أصدرها في 2013 (ودخل بسببها السجن) اتهامات بـ"إدخال" المخدرات إلى تونس و"بيعها" للشباب.

وكان "ولد الكانز" المعروف بأغانيه شديدة الانتقاد للسلطات، أمضى في 2012 عقوبة بالسجن 8 أشهر من أجل استهلاك الحشيش، وفي مارس 2014 غادر زميله "كافون" المعروف أيضا بأغانيه المنتقدة والساخرة من السلطة، السجن بعد أن أمضى فيه أقل من سنة بتهمة استهلاك الحشيش.

وقال مسئول أمني رفيع المستوى لـDW عربية "قد يدفع تواتر مثل هذه القضايا، البعض إلى الاستنتاج بأن الشرطة تستعمل اليوم تهم استهلاك الزطلة (الحشيش) لتنتقم من فنانين منتقدين أو معارضين، لكني أؤكد لكم أن ذلك غير صحيح لأن ما تقوم به الشرطة هو تطبيق القانون الذي تم بموجبه عزل وتتبع عناصر أمن أدينوا باستهلاك الزطلة".

في المقابل، أقر المسئول الذي طلب عدم نشر اسمه، بضلوع "رجال أمن ومحامين وحتى أطباء وقضاة" في "الرشوة والابتزاز المالي" لمواطنين تمّ ضبطهم متلبسين بتدخين الحشيش" عبر تغيير نتائج التحاليل الطبية التي يخضع لها المتلبسون مقابل مبالغ مالية هامة".

وقال "حسب القانون من المفروض أن يجري طبيب بمستشفى عمومي تحاليل على عينة من بول المتهمين، لكن هذا لا يحدث دائما إذ قد يُحضِرُ الشرطي عينة قد تكون من بوله هو أو بول شخص آخر لتجنيب المتهم دخول السجن".

وكان حقوقيون قد نبهوا، في رسالة وجهوها يوم 13 مارس 2014 إلى رئيس الحكومة مهدي جمعة، إلى أن إخضاع الشباب الموقوفين في قضايا لا علاقة لها بالمخدرات، إلى تحاليل طبية (تجرى عادة على مستهلكي الحشيش) أصبح ممارسة "روتينية" لدى شرطة تونس.

قانون "جائر" ملأ السجون
يفرض القانون عدد 52 الصادر سنة 1992 والمتعلق بالمخدرات، عقوبة بالسجن النافذ تتراوح بين عام واحد و5 أعوام، وغرامة مالية تتراوح بين ألف دينار وثلاثة آلاف دينار على من يستهلك الحشيش.

وقد اعتبرت "مبادرة السجين 52" التي أطلقها، قبل بضعة أشهر، حقوقيون يطالبون بتعديل هذا القانون أنه "من أكثر القوانين جورًا في العالم".

وقال المحامي غازي مرابط وهو أحد مؤسسي هذه المبادرة لـDW عربية إن "الفصل الثامن من هذا القانون يفرض عقوبة السجن حتى على المدخن السلبي للزطلة".

وأضاف المحامي أن الفصل 12 من هذا القانون يحظر على القضاة "تخفيف" العقوبات في حين أن القانون الجنائي التونسي يجيز لهم تخفيف عقوبات في جرائم أخرى "أخطر" من تدخين الحشيش.

وفي أحيان كثيرة، تفرج السلطات عن مساجين الحشيش بعد قضائهم نصف العقوبة (6 أشهر على الأقل) شرط أن تكون سيرتهم في السجن جيدة.

وبحسب غازي مرابط، دخل "عشرات الآلاف" من التونسيين المدانين باستهلاك الحشيش، السجن منذ صدور القانون عدد 52 سنة 1992.

ويرى المحامي أن هذا القانون "فشل في الردع" لأن عدد مستهلكي الحشيش "في ارتفاع متواصل من سنة إلى أخرى".

من ناحيته، لفت مازن شقورة نائب ممثل المفوضية الأممية السامية لحقوق الإنسان بتونس إلى أن "الصرامة" في تطبيق هذا القانون تسببت في اكتظاظ السجون التونسية.

وقال لـDW عربية إن دراسة أعدتها المفوضية مؤخرا أظهرت أن نحو ثلث نزلاء السجون التونسية يقضون عقوبات بسبب استهلاك الحشيش، وأن 53 بالمائة من المُتحفظ عليهم في مراكز الإيقاف تم توقيفهم بسبب استهلاك الحشيش.

ويقبع في سجون تونس اليوم نحو 11 ألف نزيل، فيما يبلغ عدد الموقوفين الذين ينتظرون إحالتهم على القضاء نحو 13 ألفا، بحسب وزارة العدل التونسية.

جدل حول تعديل القانون 
ودفع اكتظاظ سجناء تونس بالمدانين بتدخين الحشيش، بحقوقين ورجال قانون إلى مطالبة السلطات بتعديل القانون عدد 52 على نحو يجيز للقاضي تخفيف العقوبات.

وفي هذا السياق، اقترح قيس سعيّد أستاذ القانون بالجامعة التونسية تعديل هذا القانون على نحو يجيز ''التدرّج في تطبيق العقوبات'' التي تبدأ بالغرامة المالية "في المرة الأولى" لتصل إلى السجن عند "العَوْدة".


من ناحيته دعا مازن شقورة السلطات إلى "إعمال العقوبات البديلة للسجن المنصوص عليها بالقانون التونسي وغير المفعّلة، مثل العمل للمصلحة العامة.." للحد من الاكتظاظ في السجون.

واعتبر أنه "من المؤسف أن يجد طالب جامعة نفسه في زنزانة واحدة، مع عتاة المجرمين والقتلة بسبب سيجارة حشيش دخّنها نهاية الأسبوع".

وحذر من أن كثيرا من الشبان الذين سجنوا بسبب الحشيش تعرفوا فعليّا على الجريمة بعد دخولهم السجن التي "يصعب فيها الفصل بين فئات المساجين جراء الاكتظاظ".

وقال كمال الدين بن حسن المسئول بديوان وزير العدل التونسي لـDW عربية إن وزارتي العدل والصحة "تدرسان مشروعا لمراجعة (تعديل) القانون عدد 52" على نحو سوف يمكّن القضاة من تخفيف العقوبات على مستهلكي الحشيش مستبعدا إلغاء تجريم استهلاك هذه المادة.

لكن نعيمة الجلاصي مديرة الدفاع الاجتماعي بوزارة الشئون الاجتماعية، أعلنت الأسبوع الماضي، معارضتها "تخفيف" العقوبات التي ينص عليها قانون 1992.
وقالت المسئولة في تصريح صحفي "لا يجب التلاعب بصحة المجتمع" لافتة إلى أن عدد مستهلكي المخدرات في تونس "تفاقم" بعد ثورة 2011.

هذا المحتوى من موقع دوتش فيل اضغط هنا لعرض الموضوع بالكامل.

الجريدة الرسمية