رئيس التحرير
عصام كامل

الملحدون في القرآن!


لا يوجد كتاب يمتلك من الدقة المتناهية في ألفاظه ومفاهيمه ومصطلحاته خاليا من الحشو ومن الزيادة كما هو القرآن الكريم.. فلكل لفظ ولكل مصطلح مقصده وهدفه.. لا يتداخل ولا يتقاطع مع مصطلح أو لفظ آخر.. فالكافر فيه مثلا ليس هو المشرك.. والمشرك فيه ليس هو المجرم وهكذا..


المفكر الإسلامي الرائع الدكتور محمد شحرور يتوقف عند اللفظ الأخير.." المجرمون ".. ليتأمله ويبحث عن سر التضاد والاستهجان والاستنكار في الآية الواردة بسورة القلم في قوله تعالى "أفنجعل المسلمين كالمجرمين" ليتوصل منها إلى أوصاف الملحدين في عصرنا اليوم.. وكذلك سر تأكيد الله تعالى أن المجرمين وحدهم لن يسألوا عن ذنوبهم ولن يحاسبوا اصلا ولماذا فيقول:

لقد ورد الأصل "جرم" ومشتقاته 67 مرة في التنزيل الحكيم، وهو أصل واحد في اللسان العربي يعني القطع ومنه سميت الأجرام السماوية أجرامًا لأنها منفصلة مقطوع بعضها عن بعض ومنه جاء قوله تعالى: "لا جرم أنهم في الآخرة هم الخاسرون" أي أن خسارتهم في الآخرة أمر مقطوع مبتوت به وإذا كان المصطلح القانوني المتداول اليوم يسمي السارق والقاتل والغاضب مجرمًا فإن الأصل في ذلك أن المجرم هو الذي قطع صلته بالمجتمع وقوانينه وانطلق يجري على هواه تمامًا كالمجرم في التنزيل الحكيم الذي قطع صلته بالله، فأنكر وجوده وكفر باليوم الآخر وكذب بالبعث والحساب وهو ما نطلق عليه بمصطلحنا المعاصر اسم "الملحد" ونقرأ قوله تعالى:

"ولا يسئل عن ذنوبهم المجرمون"
"وامتازوا اليوم أيها المجرمون"
"ويوم تقوم الساعة يبلس المجرمون"
"يعرف المجرمون بسيماهم فيؤخذ بالنواصي والأقدام فبأي آلاء ربكما تكذبان هذه جهنم التي يكذب بها المجرمون"
"قل سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المجرمين"
"كذلك نفعل بالمجرمين ويل يومئذ للمكذبين"

ونحن هنا مع الآيات أمام صور تصف مجرمين ينكرون البعث ويكفرون بوجود الله ويكذبون باليوم الآخر قاموا من أجداثهم بعد نفخة الصور الثانية فرأوا رأي العين ما كانوا يكذبون بوجوده فبهتوا دهشة وبان ذلك على وجوههم إلى حد لا يحتاجون معه إلى سؤال وجواب فهم يؤخذون بدلالة ما ارتسم على وجوههم ليصلوا النار التي كانوا بها يكذبون!

أما لماذا لا يسأل المجرمون عن ذنوبهم فسببه واضح تمامًا أولًا لأن المجرم إنسان ملحد لا يؤمن بوجود الله وهذا وحده كاف لأن يعطيه تذكرة مرور إلى جهنم دونما حاجة إلى ميزان أو حساب إذ ليس له بالأصل أي حساب مفتوح عند الله بحكم قطعة لصلته به وثانيًا لأن الذنوب مع الله كترك الصلاة وإفطار رمضان وإخسار الكيل وتطفيف الميزان قابلة للأخذ والرد والتكفير والمغفرة لو أن صاحبها آمن مبدئيًا بالله واليوم الآخر أما مع المجرم فلا حاجة للسؤال عن الذنوب وقد تحقق الاجرام بالله والتكذيب بيوم الدين وقطع الصلة مع الله واليوم الآخر، ومن هنا من قولنا بقطع الصلة نفهم قوله تعالى:

"إلا أصحاب اليمين في جنات يتساءلون عن المجرمين ما سلككم في سقر قالوا لم نك من المصلين ولم نك نطعم المسكين وكنا نخوض مع الخائضين وكنا نكذب بيوم الدين".

انتهى كلام الدكتور محمد شحرور لنقول: وهكذا.. تتجلى الدقه الإلهية في التفرقة اللفظية بين المجرم والمشرك والكافر.. ولكل لفظ منهم دلالاته الخاصة..ومفهومه المحدد وسياقه الموضوعي..وبما يستحق أن نتناولها لاحقا إن شاء الله..
الجريدة الرسمية