صراع الثقافات على روح مصر
أغلب ما يحدث منذ 25 يناير 2011، كان تطبيق لنظرية "صامويل هنتجتون" الخاصة "بصراع الثقافات" أو "الحضارات"، ولو بشكل مختلف قليلاً. فلقد كان هدف المُتأسلمين وغيرهم من عبدة الفكر المستورد هو تغيير وجه الوطن وهويته، ومن يظن للحظة أن الإخوان كانوا يهدفون للحفاظ على الدولة المدنية أو تطويرها، لم يقرأ تاريخ مصر وصراع الإخوان الدائم للاعتداء على الثقافة الوطنية المُعتدلة.
لقد كتب المُفكر الراحل فرج فودة هذا الكلام، فقتله هؤلاء المُتأسلمين. واليوم فى إطار مقاومة هذا المشروع الشرير، يقف الشعب المصرى الأصيل بحزم ضده لأنه لا يعنى إلا القضاء على ثقافته الموروثة عبر القرون، لصالح مشروع يطلقون عليه "إسلامى"، رُغم أن معالمه يتضح منها تشويه الإسلام نفسه وبشكلٍ سافر!!
لقد تلونت تلك التى أطلقوا عليها اسم "ثورة" بثقافة وافدة من بلاد القمع. فرغم أنها طالبت بالديمقراطية مُنذ البدايات، كان الحديث وكأنها تطالب بالاسم دون الفعل، مثل "ألمانيا الشرقية"، التى كان اسمها الرسمى "ألمانيا الديمقراطية"، وكان لديها جهازاً لأمن الدولة، مُشابهاً "للجستابو" أيام النازى من حيث وحشيته!!
ولم يبدأ هذا "الفكر الأُحادى"، فى استفتاء 19 مارس 2011، حول إدخال القائلين نعم، الجنة، ومن دونهم إلى النار، ولكن فى الميدان. فلقد سيطر المُتأسلمون والاشتراكيون الثوريون على الأمر من أول يوم، فظهرت "شخصية" تلك الانتفاضة فى "القوائم السوداء" والمُسميات المُفرقة بين المصريين، وكأنما من فى الميدان سيدخل الجنة أو الدولة، وكل من دونه سيدخلون النار أو السجون!!
وأغلب قيادات هذه الانتفاضة كانوا من الإخوان أو السلفيين المُسيسين أو من الاشتراكيين الثوريين، وكل من لم يدن تلك "الأُحادية الفكرية" تابع لهم، لأنه وقف كالصنم يتكلم عن التغيير، رُغم أن مظهر أغلب أحاديث الميدان وقتها، أوضحت أنهم كانوا يتكلمون عن تغييراً للأسوأ. فكان طبيعى جداً أن ينفر المصريون فى أغلبهم من تلك الثقافة التى تمادت لتصل إلى السب أيضاً!!
إن أُحادية الفكر التى طُرحت من الميدان والتى صاغها الإخوان بالأساس إلى جانب الاشتراكيين الثوريين الذين يحملون نفس الجرثومة الوحشية، يجب القضاء عليها كلياً، لأن الشعب المصرى بطبعه يتمتع "بديمقراطية شعبية" جميلة، ورثها عن أجداده ولا يميل إلى التطرف إلى أى اتجاه مهما كان!!
وما النكتة والسخرية من الزعيم إلا "حرية رأى"، ولكنها مُستلهمة من البيئة والطبيعة المصرية وليست وافدة. حتى إنه بامكانك أن تستشعر تلك الثقافة المعتدلة بالنغمة المصرية فى موسيقاها، التى لديها وقعُ خاص مميز عن أى ريتم آخر، ومذاق يستشعرهُ جمال الأُنثى وهى تتلوى على إيقاع هذا العزف فى أفراحنا أو عزف ناى أو عود يثير الشجن فى المصريين. وتلك "الثقافة الشعبية"، أعلنت عن نفسها عبر القرون ولا يُمكن نزعها من الروح المصرية، حتى ولو بالقمع، وتتخطى الفن إلى تعبير المصريين جميعاً من خلال سلوكهم اليومى!!
فكم من ثقافة وافدة غزت مصر لتُغيرنا، فتغير صاحبها وبقت ثقافتنا دونما تلوث أو تبدُل، (وإن كان هناك بالفعل ما يلزم التغيير، ولكنى أُناقش الأُسس الراسخة المُعتدلة)، ولذا فان أغلب المصريين يلعنون تلك الانتفاضة، بل وصل الأمر بالكثيرين لأن يقولوا: "ولا يوم من أيامك يا مبارك"، لأن هؤلاء القائمين على تلك المُبالغة قد تجاوزوا المدى، وعبروا عن ثقافات لا تمت للمصريين بصلة، وهذا كله إنما كان بالأساس، ثقافة الإخوان الغريبة، المندمجة بثقافات غربية وشرقية وافدةُ أيضاً!!
فالمصرى مُلتزم بثقافته الوسطية المُعتدلة، مهما حاول الشياطين إملاء ثقافة غريبة عليه!!
والله أكبر والعزة لبلادى،
وتبقى مصر أولاً دولة مدنية.