إياك وأهل الثقة!!
سيادة الرئيس حمدين صباحى:
… أخيرًا نلت ما كنت تتمنى، دون أن تدرى أن الفراق بينك وبين الراحة قد بدأ اليوم.. حتى أمس كنت شعارا يتنقل بين العصور والأزمنة، كنت هتافا يتجمل بين الناس، كنت صوتا للاحتجاج.. الآن أصبحت صاحب سلطة، وأصبحنا نحن أصحاب الهتاف، وأصحاب الشعارات، و..، أصبحت رئيسا، وأصبحنا معارضين لك، إن حدت عن الطريق الذي كنت تتغنى به، ولتعلم أن تحقيق طموحات الناس لا يتأتى بالشعارات، ولا بالهتافات، ولا بالاختباء، خلف صورة عبد الناصر.
إن المسافة بين القول والفعل هي ذات المسافة بين لاعب الكرة والمشجع.. المشجع يصنع نصرا خياليا، ولا يصنع هزيمة أبدا، واللاعب ينتصر أو ينكسر، والمسافة بين القول والفعل هي نفس المسافة بين الصدق والكذب، والناس في بلادنا بحاجة ماسة إلى رئيس يتوقف عن الكلام، ونحن نعترف لك بحلو الكلام.. الناس بحاجة إلى حلو العمل لا حلو اللسان، وأنت قد قطعت على نفسك وعودا نحسبها أشباحا ستطاردك من اليوم؛ فإن قلت إنك لم تقل أخرجنا لك صوتك، وكشفنا لك عن صورتك، بعد أن أصبحنا في عصر قادر على أن يقول لك خذ «يوتيوبك» بيمينك، فأنت على نفسك اليوم حسيب.. انظر إلى نفسك في الصورة، واسمع صوتك في مؤتمراتك بكافة الصور، وادفع لنا الحساب منذ اللحظة الأولى.
ولنذكرك ببعض ما قلت.. قلت لن تنام وفي مصر جائع، فأين أنت من هؤلاء النائمين في الطرقات؟! وأين أنت من هؤلاء الذين أكملوا عشاءهم نوما؟! وأين أنت من فلاحين وبسطاء يطرقون أبواب قصرك؟.. ننصحك.. لا تخرج عليهم بشعار، ولا تواجههم بهتاف، ولا تحك لنا عن ماضيك التليد؛ فالحكايات لا تطعم جائعا، ولا تشبع محتاجا، ولا تنسى معوزا.. البطون لا يشبعها إلا دقيق وبعض لحم، وقليل أمل يصنع غطاءً للشتاء القادم.
سيدى الرئيس:
أعلم أن رهبة القصر قد أخذتك، وأعلم أن جلال الكرسى قد شدك كثيرا، وأعلم -وأنت تعلم- أن من سبقوك لهذا المنصب قد نالهم ما نالك، وسحرتهم النداهة، وصار عشق الهالة أكبر من هموم الناس.. هنا جلس ملوك، وثوار.. هنا سكن رجال جيش، ورجال حرب، ورجال مال، هنا كان خديو وسلطان، هنا كان رئيس حالم، وآخر مقاتل، وثالث مستسلم، فأين هم الآن؟!
بعضهم لا يزال صورة مصرية بهية، وكثير منهم راح بلا ذكرى، ولا ذاكر.. فاختر مكانك من الآن، قبل أن تختار طريقة الاتكاء على كرسى السحر الفرعونى المبهر.
سيادة الرئيس:
مصر التي تعرفها وتعرفك، ليست مقالا صحفيا تبدعه من مكتب مكيف.. مصر هي أرض وشعب وتاريخ.. مصر هي بلاد الضمير، التي غاب عنها لسنوات طوال، كنت فيها معارضا، وها قد أصبحت في موقع السلطان، وها نحن قد اتخذنا موقعك القديم، فلا تنتظر منا إلا قولا صلبا، وصوتا جامدا يذكرك بما كنت تقول، وما كنت تحلم، وما كنت تعد وتتعهد.. مصر شبابا ينتظر في طابور البطالة مفتاح الحياة، مصر صبايا ينتظرن حلما وحملا بعمق تاريخ بلادهن.. مصر يا سيادة الرئيس نهشتها سباع الخوف والعوز والفقر، فباتت في آخر الصف، وهي من صنعت الصفوف، وأطعمت فقراء الماضى، وطاردت جهل الماضي بتاريخ من العلم، قلما يتكرر في أمة مثل أمتنا.
سيدى الرئيس:
الناس في جعبتهم تاريخ، وفي ذاكرتك بعض ملامح التاريخ؛ فلا ننتظر منك أن تعيد الماضى، بل ننتظر منك صناعة المستقبل، ونخطط معك للمضى قدما، فلا تأخذنا إلى مساحة في التاريخ مضيئة، وليكن مستقبلنا هو إضاءة المنطقة؛ لنعود مرة أخرى جزءا من صناع القادم، لا حلقة من حلقات الماضى.. نريد هرما جديدا، وسدا جديدا، ومصنعا جديدا، وإنسانا جديدا، وفلاحا جديدا، وعاملا جديدا، على أن نستعيد من التاريخ آلة الريادة، ونصبح كما كنا ضميرا إنسانيا يعلم الأمم.
سيدى الرئيس:
مصر ليست حزبا صغيرا ينافس أحزابا أصغر، ومصر ليست ذلك التاريخ من المساعدات، فهى التي أطعمت، وأشبعت، وروت بدماء أبنائها تراب الكرامة العربية، فلا تنتظر البناء إلا من سواعد أولادها، وأصدر قرارك الذي وعدتنا به «لن نقبل مساعدات أمريكية».. سنجوع طالما كنت معنا جائعا، وسنرتوى بعرق الجبين طالما ظل جبينك عاليا لا ينحنى إلا لله.. كن ندا للكبار فنحن الأكبر، وكن عونا لأشقائنا كما كنا دوما، لاتعادى إلا التبعية فهي آفة من سبقوك، كن أنت لنكون نحن، وكن مصريا معجونا بطين الأرض كما كان «محمد أبو سويلم».
إياك وأهل الثقة فقد ورطوا مثلك الأعلى في انتكاسات تحملها وحده، واعلم أن اللحظة التاريخية لا تنجب ديكتاتورا، بعد أن وأدت ذلك ثورتان، ولم يعد جين من جيناته واحد بيننا، وخاطب الناس بما ينفعهم، ولا تخاطبهم بما يصنع تاريخا من الوهم، عد إلى جذورك في الحبشة، وكينيا، وأوغندا والسودان، وأفرد ذراعيك لأهلك في الشام والجزيرة.. كل أرض عربية هي أرضك.. اليمن أرضك.. العراق أرضك.. عمان أهلك.. في المغرب والصومال وتونس ناسك.. لا تترك أمتك على عهد القطيعة؛ فمنذ أن تركونا هلكنا وهلكوا !!
لا تبسط يدك لمن حاول قطع يد مصر، ولا تجاهر بعداء رفاقك الذين تركوك؛ فإن أردت البقاء فلا بقاء لفرع دون أصل، وأصل الحكم المعارضة.. لا تتنصت على معارضيك، واقطع آذان الحيطان، فأنت تعلم أن العهد الذي تنتمى إليه هو الذي أنتج «الحيطان ليها ودان» وهو كما اعترفت - وحسنا فعلت- الذي اعتمد التعذيب أسلوب حكم ومنهج حياة؛ فإن خرج الناس عليك فلا ترتكب حماقة السابق.. واستسلم لإرادة الناس تسلم؛ فإن عاندت فاحجز لك موقعا في زنزانة مجاورة للمعزول، وإن رضخت لإرادة الناس فستظل في قلوبهم.
سيدى الرئيس:
اقرأ الدستور جيدا، ستدرك أنك موظف صغير، وخادم أصغر في بلاط الشعب المصرى، وتلك مكرمة لا ينالها إلا من أيقن أن خدمة الشعوب تاج ما فوقه تاج، راجع أيامك فكل يوم يمضي إما لك وإما عليك، فإن كان لك ستطول أيامك وإن كان عليك فما أكثر من نالوا معاشا مبكرا في بلادنا !!