رئيس التحرير
عصام كامل

إيحاءات في المستشفى


أن تكون مريضًا في بيتك شيء، وأن تكون نزيل المستشفى، مريضًا ضعيفًا مستلقيًا على سرير المرضى شيء آخر مختلف، إذ لا وجه في الشبه بين الحالتين، ولا مقارنة بين الشكلين.


المريض في بيته يعاني ويتألم، ويئن ويشكو، وينخفض صوته، وترق كلماته، ويكسو الحزن وجهه، ويشعر بكثيرٍ من الأسى للعجز الذي أصابه، وللمرض الذي حل به، وسكن جسده فأقعده، ومنعه من الحركة والعمل، وجعل الدنيا عنده على رحابتها ضيقة، والفضاء على امتداده محدودًا، ورغم المحبين حوله، وأسرته التي تحيط به، إلا أنه يبقى حزينًا متألمًا، شاكيًا متبرمًا، متضايقًا من المرض، ومستعجلًا الشفاء، وكأنه وحده في هذه الدنيا المريض، ومن سواه سليمٌ لا يعاني، ومعافى لا يشكو، ونشيطٌ لا يتعب.

أما أن تكون مريضًا في المستشفى، مستلقيًا على سريرٍ كبقية المرضى، يعالجك الأطباء، ويعتني بك الممرضون، فإن حالك يتغير، وكلماتك تتبدل، ونظرتك إلى المرض تختلف، وإحساسك بالألم يتبدد، فلا شكوى تظهر عندك، ولا إحساس بالوجع يسيطر عليك، ولا عجز يقعدك، ولا سأم يسيطر عليك، بل إن حالك يتبدل من مريضٍ يلزمه الرعاية إلى إنسانٍ آخر، رحيم القلب، واسع الصدر، رطب اللسان، رقيق النفس، ودامع العين.

في المستشفى يتضاءل مرضك، ويتراجع ألمك، ويسكن جرحك، وتغيب شكواك، ولا يعود عندك صوتُ الأنين، ولا نظرة الضعف، فأنت في المستشفى وبين المرضى حكيمٌ ومداوٍ، وبلسم وراع، وطبيبٌ وممرض، يحزنك ما ترى من حالاتٍ مريضة، ومن شكاوى مريرة، ويؤلمك ضعف الصغير، وآهة الكبير، وعجز المقعد، ويشعرك بأنك في نعمةٍ من الله سبحانه وتعالى وأنت ترى ذوى الأمراض المزمنة، وأصحاب الأمراض الخطيرة، الذين لا يرجى شفاؤهم، ولا أمل في مداواتهم، إلا أن يمن الله عليهم بفضله وكرمه.

في المستشفى تجد نفسك معافى سليمًا، شابًا قويًا فتيًا، خاليًا من المرض، متعاليًا على الوجع، فتكذب ألمك، وتتجاهل جرحك، وتنسى معاناتك، لهول ما ترى من حالاتٍ صعبةٍ مريرة، لا تستثني صغيرًا ولا امرأة، ولا تتجاوز شابًا قويًا ولا رجلًا جلدًا، وكلها أمراضٌ خطيرةٌ شديدة، تقعد أقوى الرجال، وتسقط أعلى الهامات، وتنتصر على كل من ادعى القوة، وتظاهر بالكبرياء، ووقف متشامخًا يتحدى انواء الزمن وعجائب الأيام، فلا تجد إلا أن تحمد الله وتضحك، وتحدث نفسك أن تصبر وترضى، وأن تسكت وتهدأ.

في المستشفى تجد نفسك قد أصبحت مرشدًا وموجهًا، وداعية ورسول محبة، تخفف عن المرضى ما يعانون، وتسري عنهم ببضع كلماتٍ علهم يهدءون، أو ينسون آلامهم، ويستشعرون بعض الأمل، بعد أن ضاقت عليهم الأرض بما رحبت، وأصبح الهواء يدخل صدورهم بالقوة، ويخرج منها زفير بمعاناةٍ كبيرة، وغيرهم لا يقوى على رفع رأسه، أو الاستدارة من مكانه، أو حتى القيام بحاجاته الخاصة، عيناه زائغتان، وأطرافه باردة، وعقله شاردٌ، وأحلامه قد أصابها التبدد والتشتت، ولا أمل له بالشفاء إلا من الله عز وجل القادر وحده سبحانه على شفاء كل مريض، وإبراء كل سقيم.

لا أتمنى لأحدٍ أن يدخل المستشفى مريضًا مضطرًا، جريحًا أو مصابًا، بل أسأل الله العافية والسلامة لكل عباده، وأن يشفي بقدرته كل مريض، وأن يخفف معاناة كل متألمٍ ومتوجع، ولكني وددت أن يتذكر كل مريضٍ أنه بنعمةٍ وعافية إن رأى مرض غيره، ومصيبة سواه، وأن يشعر الإنسان بنعمة الصحة، وبفضل الله عليه بالسلامة، فهي نعمةٌ عظيمةٌ كبيرة، لا يشعر بها إلا من حرمها، ولا يسأل الله سواها إلا من ذاق مرارة فقدانها.

اللهم اشف مرضانا، وخفف عنهم ما هم فيه من حزنٍ وألم، وكن لهم عونًا ورفيقًا، وسندًا ومعينا، إذ لا شافي لهم إلا أنت سبحانك، ولا مخلص لهم من العذاب إلا أن تتداركهم رحمتك، وتشملهم قدرتك، فارأف اللهم بهم وارحم ضعفهم، واشفهم من كل مرض، وعجل لهم بالشفاء والفرج.
الجريدة الرسمية