"دولتية" السيسي و"أناركية" صباحي
شتان بين تجربتي في الاقتراع الرئاسي السابق والحالي، ففي انتخابات 2012، لم أستغرق أكثر من نصف ساعة في السفارة لإنهاء التصويت، ومع قصر الوقت إلا أنه مر ثقيلا وسط "لحى" ووجوه عابسة انتفخت غرورا واعتقد أصحابها أنهم اشتروا مصر بمن فيها!!.
اختلفت التجربة تماما هذه المرة، وليقيني في أن الإقبال سيكون كثيفا تجنبت التصويت في اليوم الأول وانتظرت إلى اليوم الثاني وذهبت مبكرا قبل الازدحام. لكن ما أن وصلت حتى هالني طول الطوابير، وقفت انتظر دوري وأرصد ما حولي.. وجدت الوجوه ضاحكة مستبشرة، وكل اصطحب معه أولاده وكأنهم في نزهة. ورغم المعاناة من الزحام والانتظار في الحر، انشغل البعض بالتصوير وتسجيل "زغاريد" من الاقتراع. أما الغالبية فصدحت هواتفهم بأغنيتي "تسلم الأيادي" و"بشرة خير"، فيما تناقش القليل حول إطلالات وأداء المشير السيسي وحمدين صباحي.. وبعد أكثر من ثلاث ساعات أنجزت التصويت وأدركت من الأجواء المحيطة بأن السيسي "رئيسا" في انتخابات الخارج رغم أنف الكارهين والطامعين في الحكم.
تابعت قبل التصويت وبعدة لقاءات المرشحين المتلفزة، والحقيقة أن المشير أذهلني وأبكاني فرحا وفخرا بإطلالة قائد واثق وهادئ، بسيط وصادق، يتميز بفكر عميق واستيعاب لمشكلات مصر ورؤية واضحة وحلول ممكنة.. قضى السيسي حياته في الجيش ونشأ على حب مصر والتضحية من أجلها، لذا التزم في جميع حواراته بمفهوم "الدولتية" واستحضر بشفافية تامة المخاطر المحدقة بمصر ووجوب تكاتف الشعب مع الجيش والشرطة حفاظا على الدولة، وفي الوقت نفسه العمل والبناء لتعويض ما فات.
لم يسئ السيسي في لقاءاته بكلمة واحدة لخصومه أو حتى أعداء مصر، ما زاد من احترام العالم لشخصه النبيل.. وهنا أكتفى بعبارة مما قالتها مذيعة "سكاي نيوز" زينة يازجي: "بعد تعاملي مع السيسي، أستطيع أن أؤكد أن أخلاق العسكريين أكثر تمدنًا ورقيا من معظم المدنيين".
وعند الانتقال إلى منافس المشير في الرئاسة حمدين صباحي، يجب أن أعترف بأنني لم "أبلعه" يوما، اقتناعا بأن ابتسامته الدائمة مجرد قناع لإخفاء الكثير. وأنه مستعد لفعل أي شيء من أجل النفوذ والسلطة.. وخلال حملته الانتخابية اعتبر حمدين أن شعاراته برنامجا، وأطلق وعودا "كارثية" وحين طاله الانتقاد عدل عنها وظهرت التناقضات في أحاديثه، لكن بقيت السمة الرئيسية لدى حمدين وأعضاء حملته هي الهجوم على السيسي والجيش، اعتقادا بأن هذا النهج يزيد رصيده، لكن الحقيقة أنه يخسف به إلى الأرض، ويفقده الشعبية.
رفض صباحي إقصاء "الإخوان" واعتبرهم فصيلا وطنيا في مغازلة واضحة لكسب تأييدهم، ثم تراجع بعد الهجوم عليه.. لكن الحقيقة أن علاقته وطيدة بهم، حيث خاض الانتخابات البرلمانية السابقة على قوائم "الحرية والعدالة".. كما عارض فض اعتصامي رابعة والنهضة، ودعا إلى حماية مقار الجماعة الإرهابية.
صدعنا حمدين بتاريخه النضالي والسياسي، رغم أن التاريخ المزعوم ليس فيه سوى التظاهر قديما، ثم تمجيد الطواغيت أمثال صدام حسين ومعمر القذافي. أما حديثا فقد تحالف مع من خربوا مصر وقادوا مؤامرة القضاء عليها، إن كان "الإخوان" أو "6 أبريل" أو البرادعي. والأنكى أنه يتبنى فكرة التعاون الوثيق مع إيران وحزب الله وحماس.. فإن كان يدري ما فعلوه من تخريب وجرائم وتخابر في مصر ويدافع عنهم فتلك مصيبة، وإن كان لا يدري فالمصيبة أعظم!!
اعتمد السيسي مفهوم "الدولتية" لأنها سمة الشخصية المصرية التي اختارت الاستقرار منذ آلاف السنين، وجنح صباحي إلى "الأناركية" أو الفوضوية التي تبشر بمجتمع تتعاظم فيه الحرية الفردية أمام سلطة الدولة، والعيش في حالة ثورية دائمة.. لذا دعا إلى إلغاء قانون التظاهر، وإطلاق سراح المعتقلين من "6 أبريل" والإفراج عن طلبة "الإخوان" المدانين في جرائم الحرق والتخريب.
انتخبنا السيسي في الخارج وقلنا "تحيا مصر في ظل الدولتية ويسقط دعاة الأناركية".. وبقيت كلمة ناخبي الداخل وهم يعرفون من حمى البلد وانحاز للشعب.