حمدين صباحى مناضلًا سياسيًا!
في تحليلنا للمرشحين لرئاسة الجمهورية ميزنا بين رجل الدولة ممثلًا في "السيسي" والمناضل السياسي الذي يمثله "حمدين صباحى". وقد حاولنا أن نحدد الفروق الواضحة بين رجل الدولة والمناضل السياسي حين يصبح مرشحًا رئاسيًا، وقد تتبعت بدقة الخطاب السياسي لكل من "السيسي" و"حمدين صباحى".
وقد وجدت أن ما يميز خطاب "السيسي" أنه ينطلق من رؤية استراتيجية لمصر وخصوصًا حين أثار موضوع الحيز المكانى الضيق الذي يعيش فيه الشعب المصرى منذ قرون، وضرورة اقتحام الصحراء وخلق مجتمعات سكانية جديدة لتوسيع المجال الحيوى للسكان، بما يترتب عليه من إعادة تخطيط المحافظات وتأسيس محافظات جديدة. ليس ذلك فقط بل إن "السيسي" لديه مجموعة مترابطة من المشروعات القومية أبرزها على الإطلاق مشروع تنمية قناة السويس، بالإضافة إلى مشروع "ممر التنمية" الذي سبق أن اقترحه الدكتور "فاروق الباز".
وفى تقديرنا أن المرشح الرئاسى الذي يصدر عن رؤية استراتيجية متماسكة لمصر يتميز عن غيره ممن يتحدثون بشكل عام عن مشروعات تنموية مختلفة.
وقد حللت بدقة الخطاب السياسي "لحمدين صباحى" واكتشفت أن لغته باعتباره - مناضلًا سياسيًا – مختلفة تمامًا عن لغة "السيسي" التي تتسم بالانضباط الشديد والدقة البالغة.
وذلك لأن "صباحى" أسرف إسرافًا شديدًا في إعطاء الوعود لكافة الفئات بدون أن يقدم دليلًا واحدًا على قدرته على الوفاء بها، لو أتيح له أن يكون رئيسًا للجمهورية. بعبارة أخرى – سعيًا وراء كسب أصوات الناخبين- تقرب لكل فئة بما يظن أنه شاغلها الأكبر.
بالنسبة للناشطين السياسيين قرر بكل ثقة أنه سيستخدم سلطته في العفو الرئاسى لكى يصدر عفوًا عن الشباب المحكوم عليهم في قضايا مخالفة قانون التظاهر. وهو لم يدرك أن ذلك فيه في الواقع إهدار لمبدأ سيادة القانون، لأنه وإن كان الرئيس يملك دستوريًا حق العفو بشروط محددة، إلا أن استخدام هذا الحق سياسيًا تبدو مسألة غير مقبولة.
ولقد سبق "لمحمد مرسي" الرئيس المعزول أن أساء استخدام حق العفو الرئاسى حين أصدر قراراته المطعون عليها، وأفرج عن مئات الإرهابيين والمحكوم عليهم في قضايا المخدرات والسلاح بما لا سابقة له في النظام الجمهورى المصرى. وصباحى- سعيًا وراء كسب أصوات الفلاحين قرر –بكل ثقة- أنه سيسقط ديون الفلاحين!
هكذا بقرار رئاسى بدون دراسة الأوضاع القانونية والاقتصادية! وهذه التصريحات السخية لا تبشر بخير في الواقع إن نجح الأستاذ "صباحى" في أن يصبح رئيسًا للجمهورية، لأنه قدم وعودًا متعددة لكل الفئات حتى يضمن التصويت له.
وقد لفت نظرى بشدة استخدام كلمة "أنا" بإسراف شديد وبصورة غير مقبولة. لأن في ذلك عودة للنظام السياسي القديم الذي كان فيه رئيس الجمهورية يقول فيه "كن فيكون"! ألم ينتقد الرئيس السابق "مبارك" بشدة لكونه كان يصدر بعض القرارات الرئاسية بدون استشارة المؤسسات المختلفة؟
أليس في هذه "الأنوية" عودة لرئيس الجمهورية صاحب السلطات المطلقة؟ وأليس في ذلك تجاهل لنصوص الدستور الجديد والذي يوزع السلطة بين رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء والبرلمان؟
وأيًا ما كان الأمر ليس هناك ما يدهش في خطاب "حمدين صباحى" لأن الناشطين السياسيين تمرسوا على صياغة الخطابات الفضفاضة والتي تحاول تحقيق أهداف متعددة وإن كان ينقصها التحديد الدقيق، وذلك مثل الحديث المرسل عن العدالة الاجتماعية بدون بيان مفرداتها الرئيسية والآفاق الزمنية لتحقيقها، أو الحديث –مثلًا- عن حق الشهداء بدون تحديد من هم وما هي حقوقهم على وجه التحديد، وهل هي قانونية أم اقتصادية أم اجتماعية؟
على كل حال برزت الفروق الواضحة بين خطاب رجل الدولة وخطاب المناضل السياسي! وفى تقديرنا أن مصر تحتاج الآن إلى رجل دولة بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى. لأن رجل الدولة الحقيقى لا يسرف في إطلاق الوعود، وإنما ينطلق من التشخيص الموضوعى للمشكلات، ويستدعى الخبراء القادرين على وضع الحلول لها، ولكن برؤية سياسية وليس على أساس اقتصادى بحت. وذلك لأن تقدير المواقف تقديرًا دقيقًا هو الضمان الحقيقى للاستقرار السياسي في ظل حكم يسعى بالفعل إلى تحقيق الحرية والعدالة الاجتماعية.