رئيس التحرير
عصام كامل

شكلك يرعبني


يدخل العالم مرحلة الصراع المتعدد الأبعاد وبمختلف الأشكال والصور بعد وصول التطور التقني والمعلوماتي إلى مستويات تنذر بانفتاح كلي للشعوب والحضارات على بعضها، ولم تعد المسافات تشكل عائقا في سبيل الوصول إلى المعلومة وتوصيلها إلى الآخرين، حتى بدا المشهد وكأن الجميع حول العالم يتجولون في سوبر ماركت لا تفصلهم فواصل الزمان والمكان، ويسمعون لبعض ويتحدثون معا ويتبادلون المعرفة والتهم والنصائح ويتشاركون الحمامات والاستراحات، ويتناولون طعاما متشابها، ويشربون مياها معدنية مصنعة في مكان في الجوار، وهم ماضون جميعا إلى نهاية واحدة، والى مرحلة تشابك قد تؤدي إلى الدمار المرجح، أو إلى الوفاق المستبعد بسبب الطبيعة البشرية الجامحة والمنفلتة من كل عقال.


فلم تعد القيم الأخلاقية ذات فاعلية تذكر، ولا تشكل القوانين شيئا في مواجهة المروق غير المسبوق والإفلات من الرقابة العامة والذاتية، والنزوع إلى تحقيق المصالح بشتى الوسائل حتى لو كانت بعيدة عن روح القانون والعرف الإنساني المتزن والسوي المعتاد عبر الزمن المنصرم. ويمارس ذلك أفراد ومجموعات ومنظمات ودول ترمي تهمة المروق على بعضها البعض وتريد تأكيد الإدانة مهما كلف ذلك من ثمن.

برغم كل ذلك التواصل والانفتاح فإن النزوع إلى التطرف والإقصاء والتهميش والاستعداء على أشده بين المجموعات البشرية والدول المتنافسة على أساس الدين والقومية، وحتى في إطار الصراع الاقتصادي والمنافسة الاستعمارية ومحاولات مد النفوذ إلى أماكن قصية من أجل الحصول على مصادر الطاقة وتشكيل حكومات موالية وتأمين منافذ وممرات جوية وبحرية وبرية لفرض شروط خاصة بالمنتصر.

ويبدو أن الالتزام بالتعاليم الدينية تحول عند بعض المجموعات إلى نوع من الاستبداد المخيف الذي يسبب شكلا من أشكال الرعب لا يفهمه هولاء لأنهم ببساطة يريدون فرض مفاهيمهم هم لا مفاهيم دينهم التسامحي، فيخيفون الناس وينفرونهم من الدين، فصارت دول الاستبداد الديني مصدرا لإنتاج الإلحاد والابتعاد عن الدين، وصار بعض المثقفين يتبجح ويتباهى أنه من جماعة اللادينيين مع أنه لم يكن يوما من الدينيين، فهو يذهب مباشرة إلى اللادينية رغم أنه لم يدخل مرحلة الدينية.

شكلك يرعبني، وببساطة أسألك، أليس لك زوجة ترغب في تقبيلها، أو لديك أطفال حلوين بدلا من أن تداعبهم تظهر لهم بلحية مغبرة تشحط البلعوم لفرط رائحتها الحادة؟ أنت تصيب أفراد عائلتك بالرعب لكنهم لا يتحدثون إليك بما في نفوسهم لأنك أرعبتهم بالفعل يا سيدي، وصرت ترعب الناس في الشارع وفي المسجد، ولم أعد أستغرب وجود أمثالك في المسجد بهذه الهيئة المخيفة، بينما ينفر الملايين بسببك وجماعتك من المسجد ومن الدين كله، ويقول رسول الإسلام "من أخاف لي عبدا في الدنيا ملأت قلبه رعبا يوم القيامة". في إشارة لا إلى سلوكيات اللادينيين، أو أعداء الدين، بل لفرط ما يمارسه أدعياء الدين من سلوكيات تصل إلى القتل وتتجاوز الإهانة والضرب والتكفير والتفسيق والإقصاء والتهميش واستعداء الناس.
المجتمع الإنساني يمضي إلى الهاوية بسبب الدينيين لأن هولاء يصنعون اللادينيين.
ملاحظة أخيرة، اللحية تكون بمقدار قبضة اليد، وما تجاوز ذلك فهو حمق، هذا ليس كلامي.
الجريدة الرسمية