الرئيس "حمدين "والجيش

لا توجد علاقة أكثر تعقيدًا مثل تلك العلاقة التي تحكم رئيس جمهورية يأتي من خارج المؤسسة العسكرية بالجيش وقادته وخاصة إذا كان ينتمي لمعسكر المعارضة وعضوًا في تيار مناهض لحكومة النظام الحاكم لفترة طويلة.. والأهم من ذلك أن هذه العلاقة محكومة بخلفية عملية قام فيها هذا الجيش بالانحياز للشعب في ثورة أطاحت بنظام كان رأسه محسوبًا على المؤسسة العسكرية..ثم انحاز مرة ثانية إلى أمن مصر القومي عندما خلع رئيسا كانت تحركه جماعة إرهابية. فكيف ستكون شكل العلاقة بين الرئيس صباحي والجيش؟؟

الرئيس حمدين صباحي ليس أمامه سوى طريق واحد هو الالتزام الكامل بما يرد إليه من تقارير الأمن القومي والمخابرات الحربية سيكون لديه فرصة ضئيلة للمناورة وخاصة أن الصورة الذهنية للرئيس المعزول محمد مرسي ستظل تطارده في كل وقت.

ولعل أهم قضية على رأس أولويات "صباحي" ستكون علاقته بوزير الدفاع.. فالأخير هو بالضرورة –حتى وإن حاولت المؤسسة العسكرية نفي ذلك- هو صاحب القرار الأول والأخير فيما يتعلق بتحديد معايير الأمن القومي واتصالات الرئيس بالخارج.

والفريق صدقي صبحي رجل عسكري صارم
.. فهو لا يتطلع لعمل سياسي أو شهرة إعلامية مثلما حظي بها سابقه المشير عبد الفتاح السيسي وربما تدل الإجراءات التي اتخذها خلال الشهور الماضية على توجه صارم لإبعاد الجيش ورجاله عن العمل السياسي والنأي بهم عن التجاذبات التي يمكن أن تكون مثل كرة اللهب التي إذا تدحرجت داخل الجيش أدت إلى عواقب وخيمة.

الرئيس صباحي لا يملك الآن إلا التعامل بمنطق التودد وجس النبض في الشهور الستة الأولى وهي التي ستحدد ملامح الحكم فهو يرى أن قوة الجيش هي هدف أساسي، وأنه سيحافظ على ذلك ويؤكد أن رفضه تدخل الجيش في الحياة السياسية والصراعات الحزبية هدفه قوة الجيش، لأن هذا في مصلحته، جزء من قوته أنه لا يتدخل في أي صراع انتخابي، لأن مهمته أكبر بكثير من ذلك.. وربما تكون هذه التصريحات والقناعات ناتجة عن رأس الذئب التي طارت عندما حاولت فرض سيطرة تيار سياسي أو جماعة على الجيش.

وربما تكون القضية الأكثر جدلا وحساسية بين الجيش والرئيس هي "مراقبة ميزانية القوات المسلحة" فهي طبقا للدستور ستعرض رقما واحدا في الموازنة العامة للدولة..

فقد أكد صباحي أن مهمته الأساسية هي زيادة موارد المؤسسة العسكرية وتحقيق إجماع شعبي على تأييدها، والاهتمام بتنوع مصادر تسليحها مشددا على أنه سيلتزم بنص الدستور في مراقبة موازنة الجيش، بحيث تكون محل رقابة عبر لجنة من الأمن القومي، وربما تحتاج هذه القضية إلى معالجة ذكية من الرئيس لأن هذه النقطة يفسرها رجال الجيش على أنها "عدم ثقة" في ذمة رجال الجيش وربما تؤدي التصريحات الإعلامية للرئيس حمدين إلى إثارة محبي الجيش والخبراء العسكريين السابقين والذين سيجدونها فرصة للتحريض على الرئيس وإشعال الجو العام حوله.

وفيما يتعلق بالقضايا المتعلقة بالأمن القومي والتي تخص الجيش بصورة مباشرة فإن الوضع في سيناء سيكون على قائمة أولويات الرئيس حمدين صباحي فهو امتداد طبيعي للتيار الناصري الذي يري في إسرائيل العدو الأكبر والمهدد الأساسي للأمن القومي المصري، ولأن العمليات الإرهابية مازالت مستمرة ومازالت محاولات جماعة الإخوان الإرهابية بالتعاون مع جماعات حماس وأنصار بيت المقدس وغيرها من الخلايا الإرهابية مستمرة في زعزعة الأوضاع داخل العمق المصري، فمن الطبيعي أن تستمر عمليات القوات المسلحة في سيناء وتطهيرها من الإرهاب بالتزامن مع مخطط التعمير الذي أعلنه المشير.

وسيؤكد صباحي دائمًا على تعزيز القدرات العسكرية للقوات المسلحة عمومًا واحتياجات سيناء بصفة خاصة، فإن حمدين سيبذل جهده ويستغل الخطاب الناصري الذي يغازل القومية العربية والوطن العربي الكبير ومواجهة الاستعمار الأمريكي والصهيوني في الحصول على الدعم العربي للقوات المسلحة تعزيز القدرات الدفاعية للجيش.

ولأن حمدين صباحي هو ابن تيار يعتبر ثورة يوليو هي الأب الشرعي لمعارك التحرير خلال العصر الحديث لذلك فإن خطبة السياسية لن تخلو من ربط الجيش وتاريخه بثورة يوليو وأمجادها.. وسيغازل حمدين بصورة متواصلة مشاعر الفخر والعزة التي يعبر عنها تاريخ الرئيس جمال عبد الناصر باعتباره أحد أبناء هذه المؤسسة.