رئيس التحرير
عصام كامل

آه يا أرض المطار


في أول التغيير كانت الرحلات الجوية من وإلى مطار بغداد الدولي محفوفة بالخجل نتيجة الإجراءات غير المقنعة المتبعة في إدارة المطار العتيد، وكانت القوات الأمريكية تحتل بغداد للتو ووضعت عددا من طائراتها العملاقة في مدارج منه واستولت على بعض القاعات الكبرى، وكان طيران المدنيين كطيران العسكريين سوى أن لون الطائرات مختلف، في واحدة من تلك الرحلات كان معي صديق أكاديمي منفعل على الدوام وهو يقف بقوة في مواجهة الأخطاء ولايكتم انفعالاته، وفي الرحلة التي كان يفترض أن تنطلق من مطار بغداد عند الساعة الخامسة مساء تعطلت المواعيد ومضت الطائرة التي عليها أنا وصديقي لكننا لم نكن عليها وأبلغونا بذهابها.


وبدأت مرحلة الإصرار على اللحاق برحلة تقوم بها طائرة ثانية إلى ذات البلد، الذي نقصده، وحين نجحنا لم نكن نتصور أننا سنضرب في العمق وسنهان فقد تم شحننا إلى البلد الذي نريد بينما شحنت أغراضنا وحقائبنا إلى بلد آخر، وصار صديقي يلطم على رأسه حين وصلنا عاصمة الدولة المقصودة فحقائبنا في عاصمة أخرى لانعرفها، كانت لصديقي حقائب ممتلئة عن بكرة خالتها بالأغراض والهدايا لعائلته التي سبقته هربا من العنف الطائفي وجنون المجموعات المسلحة الذاهبة بنا إلى المجهول والراغبة بتحويل الوطن إلى مقبرة أخرى مشابهة للتي تعودناها منذ عرفنا بلادنا.

بعد ستة أشهر كاملة ذهبت إلى المطار وكانت الرغبة والأمل حاضرين في نفسي أن أجد حقيبتي العزيزة التي اشتريتها من مونتريال بخمسة وأربعين دولارا كنديا، ورغم صغرها إلا أنها كانت تكفيني دائما، بينما بقيت في الذاكرة حسرة الصديق الذي فقد الحقائب المملوءة بالهدايا والأغراض الثمينة ومنها ما يحتفظ لها بذكريات جميلة لأيام خلت، فوجئت حين دخلت المقبرة بحقيبتي قريبا من رأس الموظفة التي وصفتني بالمحظوظ، وقلت، يالتعاسة وبؤس صاحبي لو أنه يدري أني وجدت الحقيبة، بينما ذهبت حقائبه إلى مقبرة التاريخ والذكريات الأليمة.

رحلات تنتهي إلى الفشل، مواطنون يبيتون لأيام في المطار، مواطنون عالقون في بلدان أخرى من العالم لعدم توفر طائرات تعود بهم إلى الوطن، قصف بالهاونات في محيط المطار قوات أمريكية تتواجد في داخله وتحتل بعض المدارج والقاعات وأوكار الطائرات، لاتصليح للعطب لا إدام، لا عمل منظم، وكنا ننتظر ونأمل بالتغيير..
 أمس وعلى متن الجامبو 747 المتوجهة غربا طلب إلى أحد المسؤولين في الطائرة الصعود إلى الطابق الثاني والجلوس في مقعد وثير، بين حين وآخر يسألك أحدهم عن رغبة ما، فوجئت أن الكثير من الأمور تغيرت، هناك 25 طائرة من نوع جامبو وآيرباص وأرسي جي تذهب إلى مختلف الوجهات، مومباي ودلهي وطهران وبيروت ودمشق وعمان ومالمو وإستوكهولم ولندن وكوبنهاكن وفينا وكوالالامبورووووو، سعدت كثيرا فالمدارج للطائرات المدنية والمطار يزهو بمافيه من تغيير جميل.. حتى مدخله الموغل في الخضرة والحدائق كان إشارة إلى تطور لافت.
يارب..
الجريدة الرسمية