شجبٌ واستنكار
أرسل لي صديقٌ عزيز من حركة فتح، تجمعني به علاقةٌ طيبة، وتفاهمٌ كبير، وسبق أن دارت بيننا نقاشاتٌ كثيرة، حول ضرورة الوحدة والاتفاق، ونبذ الفرقة والاختصام، فما قضى الاختلاف على الود الذي بيننا، ولا على الثوابت التي تجمعنا، بل وجدت منه اتساع أفق، ورحابة صدر، ورغبة كبيرة في تجاوز الأخطاء، ومحاسبة المسئولين عنها، أيًا كانت انتماءاتهم، أو مستوياتهم التنظيمية، وهوياتهم الحزبية.
لم يعب عليَّ صديقي الفتحاوي ميولي، ولم ينتقد قناعاتي، بل إنه يحترم أفكاري، ويقرأ كتاباتي، وإن خالفت رأيه، وتعارضت مع تفكيره، كما لم أعب عليه قناعاته، وصدق انتمائه لحركة فتح، التي يرى فيها الأصالة، وعمق الانتماء، وأنها الطلقة الأولى، والعاصفة التي هبت وستبقى، ولا يرى أنها تخطئ إذ تفاوض، أو تنحرف إذ تحاور، فهي ما زالت تمثل ثورة الشعب، ورصاصتها الأولى، التي لن تضل ولن تنحرف، ولن تتخلَى عن الثورة ولن تسقط البندقية، حتى تحقق الحلم في الدولة والعودة والوطن، فهذه هي فتح في عيونه، وهي التي تسكن قلبه وتحرك مشاعره.
أرسل لي صديقي ابن حركة فتح مجموعة صورٍ قال لي عنها، إنها لشرطة "حماس" في غزة، وهي تقمع المتظاهرين الفلسطينيين في يوم النكبة، وبدا في الصور قيام عناصر من الشرطة بضرب محتجين بهراواتٍ ضخمة، وعصيٍ غليظة، في منظرٍ ومشهدٍ لا يرضى به فلسطيني، ولا يوافق عليه عربيٌ حر، أو مسلمٌ غيور.
قلت لصديقي الذي أحترم صراحته وجرأته، وأقدر قناعاته وأفكاره، أنني أدين هذا العمل وأشجبه، ولا أوافق عليه ولا أقبل به، ولو ثبت أن شرطة غزة قد قامت به، وأنها هي التي ارتكبته، فإنني أدينها وأشجبها، وأدعوها للكف عن هذه الممارسات، بل وأطالبها بالاعتذار إلى الشعب، إن كانت هذه التصرفات السلطوية القمعية قد ظهرت منها، وخرجت من بعض عناصرها.
أما إن لم تكن هذه الصور لشرطتهم، وأنها مندسة عليهم بقصد التشويه والإساءة، فإنني أدعوها أيضًا لبيان موقفها، وتصحيح صورتها، ومحاسبة المسئولين عن هذا التشويه، فلا يجوز الصمت على هذه الصور لأنها جريمة، والسكوت عنها يعني ثبوت التهمة، وأنهم من نفذ، تمامًا كما أطالبها في حال ثبوت مسئوليتها عن هذا الفعل، الذي أراه جرمًا مقيتًا في حقنا، وسبةً في جبيننا، بمحاسبة كل من حمل العصا وضرب، ومن أصدر الأوامر وطالب بالتنفيذ، ومن صادق على الخطة الأمنية وأجاز العمل بها، بل ومحاسبة من رأى الجريمة وسكت عنها، ومن شاهد الفعل الشنيع ولم يستنكر ولم يبلغ.
أقول ذلك لنحافظ على صورتنا الوطنية النضالية في يوم نكبتنا، الذي نطالب فيه العالم كله أن يقف معنا، وأن يساندنا ويؤازرنا، فلا يصح أن نطالب الآخرين بمساندتنا، ونعيب على السلطات العربية وغيرها، أنها تقمع المتظاهرين، وتحول دون حريتهم في التعبير عن غضبهم وحزنهم في هذا اليوم، في الوقت الذي نمنع فيه أهلنا، ومن هم تحت سلطتنا، من حقهم في التظاهر والاعتصام والاحتجاج، والتعبير عن غضبهم واستنكارهم لجريمة حرمانهم من وطنهم، وتهجيرهم من ديارهم.
يا صديقي العزيز لا تظن أن فلسطينيًا حرًا غيورًا، ووطنيًا صادقًا، يقبل بأن تمنع سلطاتٌ وطنية أحدًا من حرية التعبير عن رأيه في هذا اليوم، أو يسكت على هذا الفعل، لذا فإنني أستنكر كل فعلٍ قمعيٍ بحق شعبنا، وأشجب كل ممارسةٍ سلطويةٍ ظالمة بحق أهلنا، وأدين أي سلطةٍ تمارس هذا الفعل الشنيع، أيًا كانت هذه السلطة، في غزة أو رام الله، وأرى أنها بهذا السلوك، إنما تدين نفسها، وتحكم على مسيرتها، بما يسيء إليها، ويشوه صورة نضالها ومقاومتها الشريفة، وعلى من ارتكب هذه الحماقة أن يعجل بالتصحيح والاعتذار، والمحاسبة والعقاب، وإلا فلا يلومن الفاعل مرتكب هذه الجريمة، ناقدًا أو مستنكرًا، غاضبًا أو ثائرًا، من أن يرتفع صوته، ويعلن على الملأ غضبه، إذ استوت عنده السلطات، وتشابهت في قمعها وكبتها للحريات.