كن حاسما ولا تكن جبارا
سيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي:
لن أطيل عليك، خاصة أنك في طريقك الآن لحلف اليمين، وتطل من رأسك الظنون، وربما لتشد أذنك فقط بل تأخذك إلى مساحات من التناقض الواضح، بين محبين اختاروك وخصوم اختاروا منافسك، وبين أعداء لك وللوطن يخططون بليل للإيقاع بك فريسة حتى يخلو لهم الجو من بعدك، وهو ما نرفضه ونأباه عشقا في وطن بحاجة إلى أن نتكاتف ونترابط ونتواد ونرتاح ونتعافى مما نحن فيه، وطن بحاجة إلى نفض الغفلة والوقوف صفا واحدا خلفك.
وحتى ندعمك ونقاتل جهلا مسيطرا وسورا فاصلا بين مصر ومعدنها فإن لنا شروطا.. وشروطنا هي شروط المحكوم الذي يحكم الحاكم، فقد اخترناك ظنا منا أنك القادر على قيادة السفينة والنجاة بالقوم من مصير الأمم المتخلفة.. وللنجاة شروط ليست مبهمة، وليست لوغاريتمات صعبة الفهم، وليست مستحيلا صعب المنال، إنما التاريخ ياسيادة الرئيس هو المعلم وهو النبراس وهو الهادى وهو الدليل.
سيادة الرئيس:
إننى أذكرك بمن سبقوك حتى تعرف من سيلاحقونك بطلا في صفحات التاريخ، أو وهما إذا ما حدت عن الطريق، فقد سبقك إلى حكم مصر كثيرون؛ منهم من عاش في القلوب رغم رحيله، ومنهم من مات قبل رحيله، وحتى لا أثقل عليك فإني سأكتفي بتجارب أربعة.. أولهم بطل مصر القومى الراحل جمال عبد الناصر، ذلك الرجل الذي جاء من صعيد مصر منتميا إلى أسرة بسيطة، لديه نفس الحلم ونفس الأمل ونفس الطموح الذي داعب «ملح الأرض» قبل يوليو، فماذا فعل بنا وماذا فعل فينا؟
جاء عبد الناصر وفى رحم نضاله مشروع وطني به عاش في القلوب، ولكنه ياسيادة الرئيس وأد الديمقراطية وداس عليها، فظل هذا الملف جرحا غائرا سبب آلاما في بيوت كثيرة، اعتقل وسجن وعذب، وعندما أفاق لم يمهله قدره.. حقق انتصارات وأصاب الأمة بانكسارات.. وقف مع الفقراء فسكن قلوبهم.. وفي عصره تمددت مصر شمالا وشرقا وغربا، ولكنها تقطعت جنوبا.
في عهده أصبحنا قوة كبري في محيطنا، وعندما اختار الوحدة مع سوريا كان نصفنا الطبيعي السودان قد انشطر عنا وفقدناه.
عاش حلما دون أن يربط ذاته بواقعه فسقط في ٦٧.. تعلم الدرس.. وعاد شامخا، قويا منتصبا بإرادة شعبية.. عاد للبناء فكان لبنة البناء الأولى في حرب السادس من أكتوبر.. رحل دون أن يري حلمه ورحل دون أن يعيد للمظلومين حقوقهم، رحل وفى عنقه ملف الحرية الموءودة؛ فكان له وكان عليه وخلف من بعده خلف لم يضع الصلاة وأكمل المسيرة.. جاء السادات فماذا كان له وماذا عليه؟
سيادة الرئيس:
عفوا للإطالة، وعذرا إن كنت أكرر على مسامعك ما أنت أعلم به منى، ولكننا قوم نؤمن بما قاله المولي -عز وجل- ونحسبك أكثر تدينا منا «فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّر»..
جاء السادت وارثا تركة كان أصعب مافيها مقاومة ممن كنا نظن أنهم يجب أن يكونوا الداعمين.. صال وجال.. ترفق وتشدد.. فاز على خصومه وتفرغ للمعركة الكبرى وحقق بجنوده وبشعبه المؤمن بالمعركة نصرا فاصلا، حاسما، قويا، عزيزا ففتحت له الأبواب المؤصدة وأصبح نبضا يسرى في عروق المصريين، واقتحم بجسارة معركة السلام ففاز فوزا كبيرا غير أن خسارته كانت أكبر.
خرج السادات ببلادنا من حضن عروبتنا.. تركناهم فأصبحنا نهبا لغرب يتفرد بنا وتركونا فصاروا نهبا لغرب أدمن رائحة الزيت فينا.. خسرنا الأمة وخسرتنا الأمة.. وفتح السادات باب الحرية بحسابات دقيقة، وأنشأ الأحزاب ومعها أطلق شبح التطرف من جحره فاكتوي بنيرانه.. بدأ معنا وطنيا، بسيطا، صعلوكا ومطاردا، فلاحا ثم ممسكا بغليونه ثم ربا للعائلة المصرية ثم ديكتاتورا، ثم رحل شهيدا وخلف من بعده خلف لم يضع الصلاة أيضا.. جاء حسنى مبارك فماذا فعل؟
هل تتذكر يا سيادة الرئيس عندما ضبطته كاميرات المصورين يقود سيارته بنفسه في شوارع الإسكندرية؟! وهل تتذكر ماذا قال ساعتها؟! لقد قال إنى أتعجب ممن يرون في قيادتي لسيارتى والتنقل بين الناس شيئا غريبا..هل تتذكر عندما أقال صحفيا كبيرا من مؤسسته لأنه نشر موضوعا صحفيا عن دور زوجة الرئيس الاجتماعى في الفترة المقبلة؟! ألا تتذكر ماذا قال؟! ألم يقل إن زوجته السيدة سوزان ربة منزل متفرغة لتربية أولاده ولن يسمح بظهورها وقيامها بدور كما كانت تفعل السيدة جيهان السادات؟! وهل تتذكر ياسيادة المشير كيف انتهى المطاف بمبارك؟! ألم ينته به المطاف بالجلوس في المنزل وسيطرة سوزان على كل شيء؟!
سيادة الرئيس:
إنني أذكرك دون ترويع، وأهيب بك أن تقرأ التاريخ حتى تنجح وننجح.. حتى تعبر إلى قلوبنا ونعبر بك إلى قلب العالم.. أعود فأقول: انفصل مبارك ولم يعد يقود سيارته ولم يعد يري شوارع الإسكندرية، وكان يخرج من قصر إلى قصر.. ابتنى له قصرا في شرم الشيخ ولم يعد يعرف حدود منشية ناصر ولم يعد يعرف أنات البسطاء في قرى مصر ونجوعها.. لم يعد يرى الناس واكتفى برؤية خمسة أو عشرة أو عشرين.. باختصار اعتقلوه داخل أسوار البطانة الحديدية.
قبل ذلك.. يجب أن نحق الحق؛ فقد استطاع الرجل أن يعود جزئيا إلى بيته القديم.. عاد منقوصا إلى عروبته ولكن عودته لم تكن عودة خلاقة.. وقبل هذا حمى البلاد من شر التورط في حروب لم نكن مؤهلين لها ولكنه قبل هذا وذاك قضى على أهم ما كان يجب عليه أن يقويه.. قضى على المعارضة الشرعية ومنح القوى الظلامية ما لم يمنحه لأحزاب كان من الممكن أن تكون سنده.. وقبل هذا وذاك ياسيادة الرئيس ارتكب أكبر حماقة تاريخية، حماقة تتعارض مع أمننا القومى عندما قرر بعد حادث أديس أبابا الخروج النهائى من أفريقيا.. اختار أن نكون عبيدا في أوربا وسلم أمريكا مفاتيح مصر بعد أن كنا نبلاء وسط أهلنا في القارة السمراء.
ولأنه انفصل عن واقعنا وانفصل عن محيطنا وانفصل عن شعبنا، كان الخروج عليه خروجا عظيما فجاء من بعده قوم أضاعوا كل شيء، أضاعوا القيم وتاجروا بالدين.. جاء مرسي فماذا فعل ؟
سيادة الرئيس:
أعلم أنك تعرف أكثر مما نعرف، ولكنى أذكرك بما نعلم.. قال مرسي إنه سيكون رئيسا للمصريين فانتخبه المصريون.. أكل وعوده.. فرط في وطنه.. أطلق العنان للإرهاب والإرهابيين واحتفل مع قتلة السادات بانتصار السادات.. الذين قتلوا أحد أهم رموز النصر احتفلوا بالنصر.. بالنصر على صاحب النصر، فقد رحل الرجل وتراقصوا في استاد القاهرة القريب جدا من طريق النصر، الذي استشهد فيه بطل النصر برصاصات الغدر التي أطلقها أصدقاء مرسي.
إلى أن كان هذا اليوم الفاصل في تاريخ الأمة، يوم الخروج العظيم على عميل الإخوان.. على من باع أجزاء من الوطن وتحالف مع الشيطان الأمريكي من جديد، وقوض المقاومة في فلسطين.. ومن أجل واشنطن أعلن الجهاد ضد نصفنا الثانى في سوريا الأبية، الشامخة، العزيزة.. فلم يكن نصيبه أكثر حظا من سلفه، وها أنت قد جئت برغبة هذا الشعب.. وباختياره.. جئت بعد أن قدمت روحك فداء فلم تتقهقر عندما كان التراجع حياة للأذلاء.. تقدمت عندما كان للتراجع جوائز كبري نالها كل من «هب ودب».
سيادة الرئيس:
جئت بإرادة شعبية رغما عن أمريكا والغرب، فلا تسلم مفاتيح القاهرة لغير أهلها، ولأننا واقعيون فإننا لا نطالبك بإعلان الحرب على واشنطن، ولكننا نطالبك بأن تضع كتفك في كتف أوباما، وجهك في وجهه، ولتنظر إليه من عليائك الحضارى؛ فأنت صاحب حضارة البناء وهم أصحاب حضارة الفناء.. ولتكن ندا ولاتسير خلف أحد، فإن لم تكن في المقدمة فإياك أن تكون في المؤخرة.
وإذا كنت قد سبقتنا وقررت بأن تكون زيارتك الأولى للمملكة العربية السعودية، فلتكن زيارتك الثانية إلى ليبيا.. لا تترك لمحتل غاصب أو متطرف حاقد، ولتكن سند شعبنا هناك، ولتتذكر أن خروجنا من ليبيا كارثى، ولتتذكر كيف كانت صواريخ الطليان موجهة إلينا عندما وقعت ليبيا تحت الاحتلال.. إن سيادة ليبيا من سيادة مصر، وليبيا شأن مصري كما أن مصر شأن ليبي، ولتكن زيارتك الثالثة إلى السودان نصفنا الطبيعى، ففيها جذورنا وفيها بعض تاريخنا، وفي مصر بعض جذورهم ولدينا بعض تاريخهم.
خلاصة القول.. لا تنفصل عن ذاتك الأفريقية ولاتترك ذاتك العربية، واعلم أن وطننا يرزح تحت نير احتلالين: احتلال القوى الدولية الراغبة في كسر إرادتنا، واحتلال الجهل والفقر وهو الأشد قسوة.. لا تنفصل عن ناسك وشعبك.. تجول بيننا فلن يصيبك إلا ماكتبه الله لك.. صافح البسطاء واحتضن الفقراء وارفع شعارا رفعه مناضلون عالميون كبار «الفقراء لاينتظرون» اقتحم ونحن معك أسوار العوز والحاجة وأمن الناس من الخوف وأطعمهم من الجوع.
سيادة الرئيس:
قلت ونحن معك في نصف ما قلت.. قلت إنك غير مدين بفواتير لأحد، وفي ذلك عزة نتفاخر بها في رئيسنا، غير أنك لابد أن تعلم أنك مدين لشعب يستحق أن تتفاخر أمام العالم بأنك مدين له.. أنت مدين لأم لا تجد قوت يومها ومدين لعجوز يطرق أبواب المستشفيات فلا يجد دواء يحميه من مرض عضال، ومدين لشاب ينتظر في طابور البطالة منذ سنين، ومدين لشعب اختارك قائدا فكن خادما، ولاتكن سيدا؛ فخادم القوم سيدهم.
واعلم أن بطانتك سر بقائك أو رحيلك، فبعض المحيطين بك مخلصون، وكثير منهم مغرضون، رأيناهم كثيرا، وبغضناهم كثيرا، وهم كالحرابى إن أردتهم غلاظا سيمتثلون، وإن أردتهم شدادا ستجدهم كذلك فإن وجدتهم مقاتلين وقت المحنة ستراهم قاتليك دون رحمة، وحتى تأمن مكرهم فلتكن أول من يبتني صروحا قوية لمعارضيك.. ادعم المعارضة الشرعية فهى سندك وهى سهمك وهي سيفك ضد أراجيف المرجفين.
وحتى تأمن شر المتحولين اقرأ من يقول «لا» قبل أن تنبهر بمن لايرددون إلا «نعم»، وإياك والحرية.. نعم كن حاسما ولا تكن جبارا فالحسم خير والتجبر شر، ومهما كانت قسوة الأقلام فلا تقصفها فأحبار الأقلام دماء تصنع القطيعة وتحاصر من يدميها، وما من حاكم كمم الأفواه إلا وكان من الخاسرين.
وأخيرا.. أذكرك بما قطعته على نفسك من وعود، أهمها وأولها خدمة هذا الشعب، وهذا الوطن أحب إليك من كل مناصب الدنيا.. أهلا بك زعيما طالما التزمت بخلق الزعماء.. وأهلا بك بطلا طالما كنت بملامح الأبطال.. واعلم أننا معك طالما كنت معنا، وضدك إذا ما حاصرتك أسوار البطانة، ومعك طالما كنت كما نعهدك حرا مستقلا، وضدك إذا ما سلمت أو استسلمت.