اختراق العقل المصري
شكلت الهجمة السلفية الوهابية والفكر التكفيري والجهادي المنبثق عنها، غزوة عدوانية موجهة لاختراق الأمن القومى المصرى على مستوى الفكر الجمعى وقاعدته الشعبية الواسعة، بهدف تغيير ترتيب وضرب العقل المصرى الوادع المتصالح لوأد وسطيته وسماحته، وتشتيت تجانسه واتزانه، وتحييد قدرته وفاعليته، وتقسيم المجتمع على أساسٍ عقائدىٍ صرف، ليتم ضرب أفراد المجتمع المصرى بعضهم ببعض، في الوقت الذي كان فيه هذا الشعب المحب الوادع غافلًا عن كل هذا التآمر والمكر والدهاء.
كان البنا الذي مثَّلَ الوجه السياسي لتلك الهجمة في بدايتها، يدعو لضرب القوميات والتراث المحلى في البلدان الإسلامية لمصلحة دولة الخلافة المزعومة انطلاقًا من ضرب التراث المصرى ذاته، حتى أنه استهجن وجود لغات تغاير اللغة العربية فيها، فيقول بالحرف الواحد في مؤتمر بموسم الحج بالحجاز ( لقد أحسست وأنا جالس في المؤتمر بأن المستعمر أفلح في القضاء على أسباب التفاهم بين البلاد الإسلامية بعضها وبعض بالقضاء على اللغة العربية فيها، فإندونيسيا تتكلم بلغة إندونيسية والهند بلغة هندية والصين بلغة صينية ونيجيريا بلغة نيجيرية وغانا وغينيا وهكذا...)، فأبان بذلك هذا التوجه الشمولى الغريب الذي يريد طمس القوميات بما تضمه من لغة وتراث قومى وشخصية المجتمعات وتاريخها !، والذي ناقض ناموس الخلق كما أراده الله في تعدد الأعراق والثقافات والشعوب.
إن تلك الغزوة الوهابية السلفية لمصر التي استمرت منذ القرن الماضى- نالت بالفعل من المصريين أنفسهم في فكرهم الجمعى ووحدتهم التاريخية واعتزازهم بتراثهم وشخصيتهم الإقليمية، وبترت يدهم الممدودة بالخير والسلام غدرًا وظلمًا.. لقد واجهنا حروبًا شرسة مع الكيان الصهيونى، الذي لم يتوان عن وضع خطط التدمير والإفساد والتخريب في مجتمعنا، وخضنا ضده معارك دامية احتل فيها أرضنا وقتل شبابنا وأطفالنا وشيوخنا، ولكنه لم يستطع أبدًا أن يخترق إرادتنا أو يحطم كبرياءنا بمثل ما أحدثته تلك الغزوة الوهابية الماكرة بكل صورها من دمار وخراب في قلب وعقل المجتمع المصرى المسالم، وبعد سقوط رأسها السياسي أصبحت المواجهة حتمية مع بقية أذنابها، فهذا التدمير الذي أحدثوه يستوجب الحساب.