السيسي رجل الدولة !
استندنا في مقالنا الماضى "رجل الدولة والمناضل السياسي" في مجال المقارنة بين مسار كل واحد منهما على مجموعة قواعد متفق عليها بين الباحثين عن السمات الفارقة لكل نمط من أنماط هذه الشخصيات السياسية.
كنت أعنى المشير "السيسي" حين أشرت إلى رجل الدولة، وإلى الأستاذ "حمدين صباحى" حين أشرت إلى المناضل السياسي.
ولعله قد آن الأوان- بعد أن شاهدنا جميعًا الحوار التليفزيونى المطول الذي أجراه كل من "لميس الحديدى" و"إبراهيم عيسى" مع "السيسي"- أن نتأمل قليلًا في الفروق التي قد تكون حاسمة بين رجل الدولة والمناضل السياسي.
رجل الدولة بحسب التعريف – أيًا كان- شخصية تمرست بالعمل القيادى في مؤسسات الدولة المختلفة.. والقيادات عادة ما تختار- وخصوصًا في القوات المسلحة- ليس على أساس التعليم والكفاءة فقط، ولكن أهم من ذلك وضعًا في الاعتبار الموهبة القيادية التي تميزه بالقدرة على اتخاذ القرار في الوقت المناسب بناء على تقديرات للمواقف تقوم على أساس العلم والخبرة معًا، ليس ذلك فقط ولكن القدرة على الحسم، بالإضافة إلى إمكانية المبادأة وملكة التنبؤ بمسار الأحداث بناء على ثقافة استشرافية متميزة.
ظهرت كل هذه الملامح البارزة في رجل الدولة في الحوار التليفزيونى مع "السيىسى".. لقد تبين للجميع أن رجل الدولة الذي سافر في بعثات علمية لإنجلترا والولايات المتحدة الأمريكية، وشغل من قبل منصب الملحق العسكري في السعودية، ثم أصبح من بعد مديرًا للمخابرات الحربية، وبعد ذلك قائدًا للقوات المسلحة ووزيرًا للدفاع، يصدر في تحليلاته السياسية والاجتماعية بل والثقافية عن ثقافة بالغة العمق تستند إلى خبرة حياتية متنوعة.. بل إنه في لغة الخطاب وجدناه يتحدث بلغة تتسم بالدقة وبمفاهيم محددة المعانى.
لم يتردد في الإجابة عن سؤال ما، وواجه المسائل الشائكة مثل شرعية قانون التظاهر بشجاعة، مبديًا أهمية التفرقة القاطعة بين حرية التعبير عن الرأى بصورة سلمية والمظاهرات التي قد تؤدى إلى إسقاط الدولة، وهذا كما قال – لن نسمح به- على وجه الإطلاق.
وحين سئل عن مصير جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية لم يثر فقط الحل الأمني ولا الحظر القانونى لها، ولكنه قدم تحليلًا ثقافيًا ثاقبًا عن الآراء المتطرفة للجماعة وتشويهها صورة الإسلام بصورة كادت – كما عبر بدقة- تفقده إنسانيته.. وكان يقصد أن أعضاء هذا الجماعة بلجوئهم إلى القتل والإرهاب وترويع الشعب إنما يقفون في موقف مضادة للقيم السامية التي يحض عليها الإسلام.
كانت الروح الوطنية واضحة في اعتزازه بمكان نشأته الأولى، حيث تسود قيم التسامح الأصيلة بين أتباع كل الأديان السماوية، وحيث يتجاور الغنى مع الفقير، وكانت الروح القومية بارزة في تأكيده على الانتماء العروبى لمصر.
وكانت رؤيته الإستراتيجية لمصر تنطلق من تصور متكامل لما ينبغى أن تكون عليه مصر المحروسة بعد عشرات السنين، عمرانيًا واقتصاديًا واجتماعيًا وسياسيًا.
لم يكن المشاهدون في حاجة لمن يشير لهم أنهم في الواقع يشاهدون نموذجًا رفيعًا من رجال الدولة الذين يستحقون أن يكونوا على رأس البلاد وفى منصب رئيس جمهورية مصر العربية.
وليس معنى ذلك أن المناضل السياسي -أيًا كانت خبرته- يفتقر بالضرورة إلى المؤهلات التي تسمح له – لو نجح في الانتخابات- أن يرأس الدولة، وذلك لأن الخبرة المقارنة في النظم السياسية الديمقراطية شهدت رؤساء نجحوا في الانتخابات مع أنهم لم يتولوا من قبل مراكز قيادية في الدولة.. غير أن ذلك يرد إلى حيوية الحياة الحزبية والسياسية في البلاد الغربية والتي تسمح عادة للناشطين السياسيين أن يتولوا مناصب قيادية داخل الأحزاب السياسية مما يكسبهم خبرات متنوعة.
وفى بعض البلاد مثل فرنسا عادة ما يبدأ الناشط السياسي من بداية السلم، بمعنى أنه يدخل الانتخابات المحلية وقد ينجح ويصبح رئيسًا لقرية أو مدينة، وبالتالى يكتسب خبرات عملية ثمينة.. وقد يصعد بعد ذلك وينجح في الانتخابات البرلمانية ممثلًا لدائرته الانتخابية، وبالتالى يكسبه عمله البرلمانى مهارات متعددة، وخصوصًا في مجال التعامل مع مؤسسات الدولة المختلفة.
ومن ثم يمكن القول بأنه -بغض النظر عن الفروق المهمة بين رجل الدولة والمناضل السياسي- فإن المسألة في نهاية الأمر ستعتمد على الشخصية المتميزة لأى واحد منهما.
بعبارة موجزة.. سمات الشخصية ستكون هي الحاسمة في نهاية الأمر!