تحية حمدين!
لم أكن راغبًا في الكتابة عن المُشتاق الرئاسى (حمدين صباحى) للأسبوع الثانى على التوالى، حتى لا يُفهَم الأمر على أنه حملة ضده، والحقيقة لا أرغب أيضًا في تنظيم هذه الحملة مُطلقًا، ويكفى أن الرجُل كُلما تحدَّث عن مُنافسه بطريقته المعروفة، فإنه يسحب من رصيده هو - إن وُجِد ليمنحه- لـ(السيسي) بكُل إخلاص!
وبما أن الانتخابات دائمًا ما تحمل الكثير من المُفاجآت والإبهارات وكمان البهارات، فقد أصر الشيف (حمدين) على أن يُضاعف كمية الشطة التي يستخدمها، وظهر أثر ذلك على حضرته جليًا واضحًا خلال ظهوره المُتكرر للمرَّة الألفين وستمية بعد المليون العاشرة التي تلت المليار السبعمية مُنذ قرر ترشيح نفسه، وهو قرر الترشُّح من زمان أوى، يمكن من قبل ما يكون عندنا انتخابات أصلًا، لأنه من الواضح أن واحدا مننا عنده ترشُّح لا إرادى، أي أنه يترشَّح على نفسه كده، سواء فيه انتخابات أو مفيش، ونرجع للظهور الماشى في الحداشر مليون بعد المش عارف بتاع CBC للمُرشَّح (حمدين صباحى)!
جُملة اعتراضية قبل أن نتحدَّث، أحترم الديمقراطية لدرجة التقديس، ولن أمنح صوتى لـ(حمدين) لو قطَّعونى حتت ورمونى كمان للقطط أو في الزيت، وبالتأكيد سواء كُنت مُقتنعًا بـ(السيسي) أو غير مُقتنع، فمصير الصوت أصبح معروفًا، طيب فين الجُملة الاعتراضية؟ الجُملة الاعتراضية هي أننى سأساند (حمدين صباحى) وأشيله فوق رأسى كرئيس لجمهورية مصر العربية ربنا يعوَّض عليها وعلينا، لو حصُل على الأغلبية وحسم الانتخابات المُقبلة لصالحه، وذلك سيكون احترامًا للديمقراطية ولمنصب الرئيس ولرغبة الناس والأغلبية لو حصل.
وهذا ما حدث من قبل مع أيام (مُرسى) الله لا يرجعها، واحترمته واتنيلت على عينى مع اللى اتنيلوا (الحمد لله معصرتش ليمون ولا غيره معاهم)، وشوفنا البلد بتبوظ وتخرب أكتر، ورغم ذلك كانوا المهللاتية بيسبحوا بالخراب، ويشكروا في قطع الكهربا، ويحمدوا في أكوام الزبالة في الشارع، ويصلوا ركعتين شُكر لقرض صندوق النقد، اللى أصبح حلالًا في عصر الإخوان، بعدما كان حرامًا قبله.. إلخ، حتى أصبح الأمر يستلزم قيام ثورة للقضاء على هذا القرف.. وقد كان!
نرجع لموضوعنا بقى؟ أخونا المُرشَّح رمز النسر، ظن أنه نسر بحق وحقيقى، وقال لك أعمل انقضاض على الفريسة على طريقة سوبر مان أو نسر مان، وراح طالع فوق البُرج، ريَّح هناك شوية، وخدله حبايتين صراحة من بتوع رواية (أرض النفاق) لأستاذنا وتاج راسنا (يوسف السباعى)، وراح ناطط على تحت قال إيه فاكر نفسه هاينزل بمنقاره على الفريسة، وطلع لا فيه فريسة ولا يحزنون، ويا عينى المُنقار اتعوج، وعينك ما تشوف إلا النور، (حمدين) باشا ضرب تصريح من عيّنة (واللا عيّنة ليه؟ ما هو التصريح صريح) إن (السيسي) كان وزير دفاع في نظام (مُرسى)، يعنى رُكن من أركان النظام، في وقت ما كان (حمدين) واقف لسَّة على البُرج بيقول إن (مُرسى) فقد شرعيته!
يا عم (حمدين يا صباحى).. اصطبحنا كده وشربنا الشاى، نتكلم بالعقل شوية، إنت أصلًا بتقول إن (مُرسى) فاقد الشرعية من قبل ما يخوض انتخابات الإعادة، لأنك سقطت من الجولة الأولى في انتخابات 2012، وقتها قولت فيها لا ألغيها، ويا (مُرسى) يتنازل لصالحى، وألعب أنا قصاد (شفيق) يا بلاش، يعنى إنت راجل مالكشى في الديمقراطية، وكُل أمنية حضرتك في الحياة - سامحنى على صراحتى الحبوب إياها ملت الدُنيا باين- إننا نفضل نعمل انتخابات الرياسة دى كُل أسبوع مرَّة، أو نمشيها حتى جُمعة وجُمعة، علشان تطلع في البرامج والصحف والحيطان، تتكلم وترغى وتفتى، وترفع إيديك وتركب العربية المكشوفة، والجو القديم بتاع الخمسينيات ده والأفلام الأبيض والأسود، يعنى النضال ضد (مُرسى) كان هايحصل هايحصل منَّك، حُبًا في الفركشة والاعتراض حتى لو الراجل فلح، لسبب بسيط، هو إنك هاجمته ورفضت إنه حتى يخوض انتخابات الإعادة، وكنت عاوز تكون مكانه، يعنى الحكاية بالنسبة لسيادتك لا ديمقراطية ولا شرعية، الحكاية مهلبية، واحترام المهلبية واجب!
وطبعًا إقامة الانتخابات كُل جُمعة أو جُمعة بعد جُمعة، هايضمن للأستاذ (حمدين) إنه يتلقى مئات الألوف من التبرعات كما قال سيادته، خاصةً أن الرجُل لا يعمل تقريبًا ـ واللا تقريبًا ليه ما هي دى الحقيقة ـ وقد تفرَّغ للانتخابات فحسب، يعنى الانتخابات سبوبة كويسة، والتبرعات برضو ممتازة، وربنا يزيد ويبارك، ويخلى لنا البؤين بتوع حُكم العسكر، ووصول الثورة للحُكم، وحقوق الإنسان، والتفاف المُجتمع، وتوزيع عشر تلاف جنيه وفدان على كُل شاب، ويا حبذا لو حطينا فوقيهم شقة ورقاصة يبقى مية مية، وأهم الرقاصات على قفا من يشيل، ويتبقى أن يصل الرقص لمستحقيه، هو يعنى الكلام عليه جُمرك؟!
الغريب إن كون (السيسي) جزء من نظام (مُرسى) يقوم بأداء التحية العسكرية له (زى ما قال صباحى)، لهو أمر يدُل على أن الرجُل كان يُراعى القانون والأصول في منصبه ومركزه، وهى تحية رسمية يتوجب على مَن في منصبه أداءها (لصاحب منصب الرئيس حتى لو ميسواش تلاتة تعريفة)، وليست أمرًا اختياريًا أو تحية في فرح بنقوط، أو حتى تحية كاريوكا، وعلى الرغم من إيماننا جميعًا بأن (مُرسى) هذا لا يصلُح لقيادة بسكليتة لا وطن، ومع ذلك حطينا في بؤنا بتاعة قديمة وسكتنا لعل وعسى، إلا أن (السيسي) عندما انتفض الشعب، كان عليه أن يختار، إما الوقوف في صفوف الملايين الغاضبة الرافضة للتخاريف السياسية والاجتماعية والأمنية وحتى الدينية التي قام بها صبى الجماعة في القصر، وإما أن يظل جزءًا من نظام عبيط، ويستمر في أداء التحية العسكرية لخيال مآتة، وكمان يمكن يطحن المتظاهرين بناءً على أوامر ذلك الرئيس، كما طُلب من قائد الحرس الجمهورى أيام الاعتراض على الإعلان الدستورى الإجرامى الذي حمل توقيع مكتب الإرشاد وبصمة (مُرسى)، أصله مكانشى بيعرف يقول لأ!
كان على (السيسي) أن يختار بين الشعب (بالتحديد الأغلبية الكاسحة من المصريين)، وبين رئيسه المُنتخب (مُعظم مَن منحوه أصواتهم ضربوا نفسهم بالقديمة، ولعنوا الليمون وعصره وأيامه بعد ذلك)، فاختار الانحياز للشعب، وبذل قبل ذلك محاولات لتهدئة الأمر، واقترح على (مُرسى) أن يطرح نفسه للاستفتاء، إلا أن رئيس إشارة رابعة كان ذكيًا، وهى المرَّة الوحيدة في حياته التي حمل فيها هذه الصفة، ورفض، لسبب بسيط، هو أنه يعلم أن هذا الاستفتاء كان سيمنحه (نعم) بنسبة لا تزيد لا مؤاخذة على إنه ياخد فيه عشرة فقط، بينما التسعين بالمائة كانوا رافضين وجوده، مكتفين بالأيام الغامقة، التي تتفوق في غمقها على عشرات السنين الغامقة برضو قبلها، كأننا شعب موعود بالغامقين.. غامقين صباحى.. ومسائى كمان، إحنا ورانا إيه غير كدة؟!