رئيس التحرير
عصام كامل

القاهرة وواشنطن.. العشق الممنوع !


يعرف وزير الخارجية المصري نبيل فهمي العقلية الخاصة بالمواطن الأمريكي، سياسيًا كان أم عاديًا، بحكم مولده في نيويورك في ٥ يناير عام ١٩٥١، وبحكم سنوات طويلة من العيش وسط الأمريكيين، في الشارع، وسفيرا لمصر من ١٩٩٩ حتى ٢٠٠٨، ومن ثم لا يجوز إدانته والسخرية منه والتعريض به، لأنه أراد إضفاء أجواء من الألفة في لقاءاته برموز السياسة الأمريكية، في الخارجية وفي الأمن القومي، وفي الكونجرس، لأنه قال: إن العلاقة بين مصر والولايات المتحدة، ليست نزوة وإنما هي علاقة يعتريها ما يعتري الزواج من مصاعب وخلافات.


بطبيعة الحال، أراد فهمي طمأنة الأمريكان بأن التقارب الحميم مع الروس، لا يعني استبدال صديق بصديق أو عشيق بعشيق.. والحق أن واشنطن في أمس الحاجة إلى التأكد من أنها لا تزال تحتفظ بصديق في القاهرة، بعد إخفاقات مزرية في سوريا وأوكرانيا، ومع تصاعد التحدي الروسي لأوباما، على نحو جعله موضع تندر دولي، وهوان داخلي.

من ناحية أخرى، لم يكن من الحصافة أن يستخدم الوزير تعبيرا قريبا جدا من تعبير سبق استخدامه أيام الاحتلال البريطاني، وقتل قائله أمين عثمان وزير المالية في عام ١٩٤٠ بسببه.

فقد قال: إن العلاقة بين مصر وبريطانيا زواج كاثوليكي، أي احتلال إلى الأبد، لأنه زواج حب، سبقه زواج عقل، يقصد معاهدة ١٩٣٦، في عهد النحاس باشا رئيس الوزراء وقتها، سبقه زواج غزو بفعل الاحتلال عام ١٨٨٢.. نبيل فهمي دبلوماسي محنك، رغم أنه خريج هندسة بالجامعة الأمريكية، قارئ للتاريخ، ومن بيت دبلوماسي عريق، أبوه إسماعيل فهمي رحمه الله، وكان حريًا به ألا يربط مصر بعقد زواج، ولا علاقة عشق مقيم، وصحيح أنه رفعها عن مستوى العشق لمدة ليلة واحدة، إلا أن التعبير استدعى ذكريات التبعية والقهر والانقياد والانبطاح تحت شهوة المحتل. سمها نزوة أو زواجا، هو ما جعل مصر تحت الأمريكان.. شرعا ووضعا ! هل حققت رسالة الطمأنة هدفها؟ لم تحقق، ورفض السناتور باتريك ليهي، رئيس اللجنة الفرعية للمخصصات بمجلس الشيوخ، الموافقة على إرسال مساعدات مالية للجيش المصري.

الواقع أن توقيت الزيارة كان حرجًا، ولم يتحسب منظموه إلى موعد جلسات محكمة المنيا، ولما صدرت قرارات القاضي الموقر، نهش الإعلام الأمريكي لحم مصر ووزير الخارجية، الكيان البشري المرئي المتاح أمامهم!

من ناحية أخرى، ضاعف الوزير حججه ليؤكد استقلالية القضاء ونزاهته في مصر.. على الإجمال، لا يجوز القول إنها زيارة فاشلة، لكن يجوز القول: إن الوزير حين استخدم التعبير الأمريكي عن علاقة زواج لا نزوة، كان نسى تصريحه الجيد بأنه لأول مرة يأتي واشنطن ممثلا لشعب قام بثورتين في ٣٠ شهرا.. الناس غضبانة لأنها ترفض الزواج أو النزوات مع الأمريكان أو غيرهم.. نقبل فقط علاقة سيادة واحترام ومصالح متبادلة، أما علاقات العاهرات فمكانها شارع ١٤ في واشنطن، على بعد شارعين فقط من شارع ١٦ حيث البيت الأبيض!
الجريدة الرسمية